مقالات

اسماعيل ياشا – التعليقات الأولية على إسقاط الطائرة الروسية

القوات المسلحة التركية أسقطت أمس الثلاثاء مقاتلة روسية من “نوع سوخوي أس يو 24” اخترقت المجال الجوي التركي. وجاء في بيان وزارة الدفاع التركية أنه “في حوالي الساعة 09:20 في منطقة “يايلا داغي” التابعة لمحافظة “هاتاي” التركية، اخترقت طائرة لم تعرف هويتها الأجواء التركية، وعلى الرغم من تحذيرنا لها 10 مرّات في خمس دقائق، إلا أنها استمرت في الاختراق”.

المقاتلات الروسية سبق أن تحرشت بالطائرات التركية قرب الحدود التركية – السورية، واخترقت أكثر من مرة المجال الجوي التركي لجس نبض أنقرة، وزعمت أن تلك الانتهاكات حدثت بالخطأ وبسبب “سوء الأحوال الجوية”. وفي 4 تشرين الأول/ أكتوبر تم استدعاء السفير الروسي للمرة الثانية على خلفية اختراق المقاتلات الروسية مرة ثانية للأجواء التركية. وقامت أنقرة بتحذير روسيا أكثر من مرة حتى لا تتكرر الانتهاكات. وكما قال حكماء العرب قديما: “أعذر من أنذر وأنصف من حذر”.

الجانب الروسي يزعم أن المقاتلة التي أسقطتها القوات المسلحة التركية لم تخترق المجال الجوي التركي إلا أن رئاسة الأركان التركية نشرت خريطة بيانية تؤكد اختراق المقاتلة الروسية أجواء تركيا. وتأكيدا لصحة الرواية التركية، قال مسؤولون في البنتاغون إن الطيارين الأتراك حذروا الطيار الروسي 10 مرات قبل استهداف المقاتلة الروسية إلا أن الطيار الروسي لم يستجب لتلك التحذيرات. وبالإضافة إلى ما سبق، فقد صرح أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن المعلومات المتوفرة لدى الناتو ولدى بقية الحلفاء تؤكّد صحّة الرواية التركية.

أنقرة في قضية إسقاط المقاتلة الروسية تمضي قدما بخطوات ثابتة في إطار القانون الدولي وتشدد على حماية الحدود والأجواء والدفاع عن السيادة الوطنية وحق الرد على الانتهاكات، كما أن وصف المقاتلة الروسية في بيان وزارة الدفاع بـ”طائرة لم تعرف هويتها” يشير بلغة دبلوماسية إلى أن المقاتلة لم يتم إسقاطها لكونها روسية بل لأنها اخترقت المجال الجوي التركي وأن من حقها إسقاط أي طائرة تنتهك أجواء تركيا بغض النظر عن هويتها.

الرئيس الروسي في أول تعليقه على حادثة إسقاط المقاتلة الروسية قال إنها ستخلف عواقب خطيرة على العلاقات الروسية – التركية وصفها بـ”طعنة في الظهر”، كما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ألغى زيارته المرتقبة إلى أنقرة ونصح رعايا بلاده بعدم السفر إلى تركيا، مدعيا أن المخاطر الأمنية في تركيا لا تقل عنها في مصر، بالإضافة إلى استدعاء الملحق العسكري التركي إلى وزارة الدفاع الروسية للاحتجاج. ووسط هذه الردود الأولية، أعلن نائب وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي مواصلة تزويد تركيا بالغاز الطبيعي الروسي بحسب الالتزامات التعاقدية، وأضاف قائلا: “لا يمكن أن يكون خلاف ذلك.” وبمعنى آخر، ليس في الأفق اللعب بورقة الغاز ضد أنقرة، لأن روسيا هي أيضا ستتضرر لو قطعت الغاز عن تركيا.

تركيا تملك المبررات القانونية والأخلاقية لإسقاط المقاتلة الروسية التي اخترقت مجالها الجوي، ولم يكن بإمكانها أن تسكت على التحرشات الروسية بعد تحذير موسكو أكثر من مرة. وكانت هناك انتقادات في تركيا موجهة من المعارضة إلى الحكومة وتتهمها بالسكوت على انتهاكات المقاتلات الروسية للسيادة التركية. كما أن الشعب التركي غاضب من روسيا بسبب الغارات التي تشنها الطائرات الحربية الروسية على منطقة “بايربوجاق” التركمانية شمالي ريف اللاذقية. وكانت وزارة الخارجية التركية قامت باستدعاء السفير الروسي لدى أنقرة للاحتجاج على استهداف الطيران الروسي للقرى التركمانية المأهولة بالسكان المدنيين. ولذلك فإن هناك تأييدا شعبيا واسعا في تركيا، سواء من أنصار حزب العدالة والتنمية أم من القوميين الأتراك، لما قامت به القوات المسلحة التركية.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان كان صريحا في تعليقه على حادثة إسقاط المقاتلة الروسية حين قال إن روسيا لا تقصف في سوريا مواقع “داعش”، بل تقصف فصائل الثورة السورية لحماية نظام بشار الأسد، ولفت إلى أن جبل التركمان ليس فيه أي عنصر من عناصر “داعش”، وأكد أن تركيا تدعم بكل صدق فصائل المعارضة السورية التي تقاتل ضد نظام ظالم. بل ذهب الرئيس التركي إلى أبعد من ذلك وأعلن أن تركيا ستنشئ بالتعاون مع حلفائها منطقة إنسانية آمنة بين جرابلس والبحر المتوسط، ما يعني أن تركيا ستقاوم بقوة محاولات روسيا أو غيرها لفرض أمر واقع في شمال سوريا أو ساحلها. 

المصدر : عربي 21 

زر الذهاب إلى الأعلى