مقالات

نزيه الأحدب – تسوية نصرالله القادمة.. جان قهوجي

عندما اعتقد البعض في لبنان أن سليمان فرنجية بات رئيس جمهورية 2016 وأن اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند به كان بمثابة تهنئة مسبقة، وأن ترشيحه من قبل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، المقرب من القيادة السعودية وزعيم الأغلبية النيابية في جبهة خصومه السياسيين من فريق 14 آذار، حسم الجدل حول الاستحقاق الرئاسي لصالح صقر قوى 8 آذار و”الأخ” الوفي للرئيس السوري بشار الأسد، كنا نكتب في مقال الأسبوع قبل الماضي أن من يعرف طريقة النائب ميشال عون في التفكير، يعرف كم أن حظ سليمان فرنجية عاثر.

 لقد التقى القطبان المسيحيان لقوى 8 آذار في منزل عون الأربعاء الماضي ولم يُفرج من اللقاء للإعلام إلا عن صورة فوتوغرافية (على طريقة المحاكم) تجمع الرجلين وبدا فيها فرنجية كأنه في مجلس عزاء. فيما قال تلفزيون لبنان (حكومي) في نشرة أخبار الأربعاء المسائية عن اللقاء إنه “لم يفضِ إلى نتيجة، فالرجلان مرشحان للانتخاب الرئاسي وأي منهما لم يتنازل للآخر.. والمعلومات الضئيلة تشير إلى أن فرنجيه شرح الأجواء الداعمة لترشيحه للرئاسة، فيما قال عون إن هناك أجواء أخرى داعمة لانتخابه”. فمن الذي يختار ضمن جبهة 8 آذار بينهما أولاً، ثم ثانياً من سيختار، وثالثاً هل إن المرشح الحقيقي لهذه القوى هو أحدهما أم إنه شخص ثالث غير معلَن؟

أولاً: لقد فوض حلف الممانعة الراعي ل 8 آذار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بإدارة ملف الاستحقاق الرئاسي، وأبلغ الأسد ذلك لمن راجعه بهذا الخصوص، وبالتالي فإن كلمة السر الإيرانية السورية في جيب نصرالله. 
ثانياً: لقد أعلن حزب الله مراراً في الإعلام تمسكه بترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، انطلاقاً من كونه رئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان ووفاءً لوقوفه إلى جانب الحزب في معاركه الداخلية والخارجية، لكنه لم يتخذ خطوات جدية لتسويق ترشيحه عند الفريق الآخر، وهو القادر على أن يعطي في مكان ليأخذ في مكان مقابل.

ثالثاً: لمعرفة المرشح الحقيقي لحزب الله، أو بالأحرى لحلف الممانعة المتمثل بالنظام السوري والجمهورية الإيرانية، لا بد من مراجعة طريقة تعاطي هذا الحلف مع الاستحقاق الرئاسي في الفترة التي حكم فيها الأسدان الأب والإبن لبنان، أي منذ ما بعد اتفاق الطائف عام 1989 وحتى انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، الذي حل مكانه بالنتيجة نفوذ إيران المباشر المتمثل بحزب الله.
–  رينيه معوض: بعيد توقيع اتفاق الطائف سنة 1989 تم انتخاب رئيس “التسوية” النائب رينيه معوض لكنه اغتيل بتفجير موكبه في بيروت بعد انتخابه بسبعة عشر يوماً.

– الياس الهراوي: بعد اغتيال معوض بيومين تم انتخاب النائب الياس الهراوي وبقي في منصبه تسع سنوات أي حتى عام 1998، بعد أن قرر الرئيس حافظ الأسد مكافأته على حسن أدائه بالتمديد لنصف ولاية إضافية.

– إميل لحود: بعد انتهاء الولاية الممددة للرئيس الياس الهراوي أحال حافظ الأسد ملف إدارة لبنان لنجله بشار وكان ذلك بمثابة training له على حياته لحكم سوريا بعد مماته. فقرر الأسد الإبن إسناد رئاسة الجمهورية اللبنانية إلى قائد الجيش الجنرال إميل لحود الذي أنهى بدعم القوات السورية في لبنان تمرد قائد الجيش الأسبق الجنرال ميشال عون نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وتم انتخاب لحود عام 1998، وعلى طريقة أبيه كافأ بشار الأسد إميل لحود بنصف ولاية إضافية عربون تقدير له على انضباطيته ضمن حلف الممانعة.

 إذن يتبين من الاستحقاقين الرئاسيين (السوريَّين) للبنان -باعتبار أن معوض لم يستلم الحكم عملياً- أن القاسم المشترك بين الرجلين، الهراوي ولحود، هو محدودية تمثيلهما الشعبي، بمعنى أنهما ليسا من الأقطاب السياسيين للموارنة الذين يستطيعون تحريك الشارع المسيحي أو بعضه على أقل تقدير، وأن “السوري” لا يألف التغيير وإذا نجح في اختبارات التعامل مع شخصيةٍ ما فإنه لا يميل إلى تجربة شخصية أخرى حتى وإن كانت من “عظام الرقبة”، خصوصاً وأن رقبة النظام السوري البعثي بقيت دائماً قرب السكين منذ نشوئه وحتى يومنا هذا. وتعتبر عائلة الأسد أن قوتها في سوريا تقاس من حجم قوتها في لبنان، وبالتالي فهي تصرفت خلال السنوات السابقة على أساس أنها ليست مستعدة للتفريط بمراكز حساسة في البلد الشقيق الصغير وعلى رأسها رئاسة الجمهورية وما ترمز إليه بالبعد الطائفي باعتبارها الرئاسة الوحيدة في العالم العربي المخصصة للمسيحيين بموجب الدستور. فهل تنطبق مواصفات الهراوي ولحود على ميشال عون وسليمان فرنجية؟ 

بالنسبة لعون يحصل على علامة صفر في دفتر المواصفات العتيد، فهو أولاً يتمتع بشعبية مسيحية كبيرة مكنته من أن يكون القطب الماروني الأبرز في برلمانات ما بعد الوصاية السورية، وهو يستطيع استنفار الكثير من المسيحيين وإنزالهم إلى الشارع وقد فعل ذلك مراراُ حتى لأغراض عائلية تتعلق بتحصيل مناصب وزارية وإدارية لأصهاره في الحكومات. ثانياً إن التجربة الوحيدة للجنرال عون في السلطة هي عندما كان قائداً للجيش في الثمانينيات حين أعلن حرب “التحرير” ضد الجيش السوري من لبنان وتوعد بكسر رأس حافظ الأسد، فلجأ بعد أيام قليلة من تصريحاته هذه إلى السفارة الفرنسية في بيروت. أما بالنسبة لمشاركة كتلته في الحكومة فهذا الفعل في لبنان لا يعتبر حكماً لأن الكل في بيروت حاكم ومعارض في الوقت ذاته. حتى عندما حظي بحصة الأسد في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فقد شكل نمط التعاطي السياسي لميشال عون عبئاً كبيراً على حلفائه وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يفضل (في البعد الشخصي وليس السياسي) رئيس القوات اللبنانية الخصم العنيد سمير جعجع على عون. فماذا إذن عن فرنجية؟

في معيار النفوذ الشعبي يرسب سليمان فرنجية ضمن دفتر شروط “الممانعة” لرئاسة الجمهورية، فهو أحد الأقطاب الموارنة الأربعة والزعيم المسيحي الأول في مناطق الشمال اللبناني. أما في معيار التجارب فلا أحد يحصل العلامة التي يستحقها فرنجية، فهو بقي وفياً وما يزال لانتمائه لخط “سوريا الأسد” حتى عندما يئس الكثيرون من إمكانية إنقاذ النظام السوري. لكنه ومع ذلك فإن فرنجية يحترم علاقاته أيضاً مع سائر اللبنانيين ولم يَفجُر في خصومته مع أحد حتى مع ألد أعدائه، وهذه نقطة لا تسجل لصالح شخصيته التسوَوِية في زمن حروب حلف الممانعة المفتوحة في المنطقة. فهل ثمة مرشح ثالث إذن لحلف الممانعة؟

يبدو لنا في الخلاصة أن كِلا المرشحَين المعلَنين من قوى 8 آذار لرئاسة الجمهورية هما افتراضيان، فيما يبدو قائد الجيش الجنرال جان قهوجي يتصدر قائمة الشخصيات التي تنطبق عليها المواصفات المذكورة للرئيس العتيد، فهو ليس قطباً مارونياً ولا يتعاطى مع الشارع بحكم موقعه العسكري، كذلك فإنه مجرَّب في قيادة الجيش في واحد من أصعب ظروف لبنان الأمنية داخلياً وعلى الحدود، واستطاع أن يكسب ثقة حزب الله دون أن يفقد احترامه عند الآخرين، وعلى المقلب الدولي فإن الكلمة الآن في الشرق الأوسط هي للقيادات العليا للقوات المسلحة، وبالتالي يبدو السيد حسن نصرالله مراهناً على الوقت وعلى إحراق تسويات الآخرين، لإنضاج تسويته بطرح جان قهوجي كمرشح وسطي تجمع عليه الأطراف، وهي تسوية يُعتقد بأن المملكة العربية السعودية التي قبلت بدعم سليمان فرنجية لن ترفضها، وهي التي أعربت مراراً عن ثقتها بقهوجي الذي لا يستفز اسمه أيضاً عواصم القرار الدولي بل يطمئنها أداؤه في مكافحة “الإرهاب”.

المصدر : عربي 21 

زر الذهاب إلى الأعلى