مقالات

سلطان بركاني – السّوريون يموتون جوعا وبردا

رضيع سوريّ يموت بين أحضان أمّه جوعا، وعيناها تذرفان دموع الحسرة والأسى.. شيخ مسنّ يُسلم الرّوح إلى بارئها تحت وطأة الجوع، بعد أن تحوّل جسده المنهك إلى هيكل عظميّ يغطّيه جلد مترهّل.. عجوز كبيرة تسلق الأعشاب لإطعام زوجها المريض.. طفلة رضيعة يظهر عليها الهزال الشديد، تبكي من الجوع، ووالدتها تقول إنّ غذاءها مقتصر على الملح والماء فقط.. شابّ سوريّ يرفع استغاثة عاجلة إلى منظّمات الإغاثة وإلى العالم أجمع، يقول فيها: “نحن محاصرون منذ 6 أشهر، لا أكل ولا ماء ولا كهرباء، إنّنا نموت يا عالم، أبناؤنا يموتون جوعا، أنقذونا لوجه الله…”، ثمّ يتوجّه إلى الواحد الأحد قائلا: “ما لنا غيرك يا الله”.

هي صور ومقاطع بثّتها بعض القنوات وتداولها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعيّ في الأيام القليلة الماضية ضمن عشرات المشاهد المروّعة للمأساة التي يعيشها السّوريون في بلدتي مضايا وبقين غرب مدينة دمشق، بسبب الحصار القاتل الذي يفرضه الجيش السوري وعناصر حزب الله على البلدتين منذ تموز/جويلية 2015م، للضغط على المعارضة المسلّحة وإجبارها على الانسحاب من مدينة الزبداني، بعد عجز قوات الأسد التي تسندها مليشيا حزب الله عن السّيطرة عليها.

حصار طائفيّ بغيض لم تُراعَ فيه أبسط الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية للمدنيين، اضطَرّ المحاصَرين إلى أكل الأعشاب، وألجأ بعضهم إلى ذبح القطط في الأيام القليلة الماضية، وقد زاد انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثّلوج حدّة المأساة، وتمّ تسجيل 31 وفاة في بلدة مضايا الشّهر الماضي وحده، معظمهم من الأطفال الرضّع والمسنّين، كما أدّى فقدان الطّعام لأيام متوالية إلى تسجيل 100 حالة إغماء وإعياء يوميا.

كلّ محاولات إدخال الطّعام إلى البلدتين باءت بالفشل، بسبب إصرار قوات النّظام السّوريّ وحزب الله على استهداف كلّ سوريّ يحاول الخروج لجلب المساعدات؛ ففي شهر ديسمبر الماضي وحده قتل 8 من أبناء مدينة مضايا برصاص القوات المحاصِرة. كما بترت أطراف 6 آخرين إثر انفجار ألغام أرضية.

القوات الطائفية المحاصِرة تهدف من وراء تشديد الحصار على مضايا إلى إجبار قوات المعارضة على تسليم الزّبدانيّ، وإلى دفع سكّان البلدة إلى الاستسلام والقبول بترحيلهم عن مدينتهم وإحلال أكراد وشيعة مكانهم، في إطار سياسة التّهجير المذهبيّ التي تنفّذها مليشيات الأسد وحزب الله برعاية إيرانية وتواطؤ دوليّ، لتغيير التركيبة السكانيّة لسوريا وتحويلها إلى بلد شيعيّ تابع لإيران.

وفي هذا الصّدد، أشار بعض المتابعين إلى أنّ هذا المشروع بدأ يحقّق بعض أهدافه، فبعد أن كان عدد السنّة في سوريا يتجاوز 16 مليونا، في مقابل 8 ملايين موزّعة بين المكوّنات الأخرى، أصبح عددهم الآن لا يتجاوز 9 ملايين سنيّ، بعد حملات التّهجير المذهبي والتّطهير الطّائفيّ التي نفّذها النّظام السّوريّ بمساعدة المليشيات الإيرانيّة منذ بدء الثّورة السّورية في مارس 2011م، حيث كان الطّيران السّوريّ، ومِن بعده الطّيران الرّوسيّ، يستهدف مناطق العرب السنّة دون غيرها من المناطق، ما أدّى إلى قتل أكثر من 300 ألف عربي سني، وإلى تهجير 7 ملايين منهم إلى مخيّمات اللاّجئين، بل قد بلغ الأمر بالنّظام الطّائفيّ في سوريا إلى قصف وحرق الدوائر العقارية في بعض المدن السنيّة، كما حصل في حمص، حين أحرق النّظام السّوريّ جميع الأوراق التي تثبت ملكية أهل حمص لعقاراتهم، ليسهل عليه بعد ذلك تجنيس الشيعة العراقيين واللبنانيين والعلويين وتمليكهم عقارات حمص.

لقد سقطت الأقنعة عن الوجوه الكالحة وتهاوت أوراق التّوت عن السّوءات الفاضحة، وبانت حقيقة النّظام السّوريّ الطّائفيّ الذي حوّل سوريا قبل الثّورة إلى مزرعة إيرانيّة، وبعدها إلى مسلخ تداعت إليه المليشيات الطائفية الموتورة لتفرّغ أحقادها في الأبرياء والعزّل، كما بانت حقيقة حزب الله اللّبنانيّ الذي ادّعى أنّه دخل سوريا لحماية ظهر المقاومة، لأنّه ربّما رأى أنّ الطّريق إلى القدس تمرّ على رقاب السوريين في حمص والقصير، وعلى أمعاء الشّيوخ والنّساء والأطفال في مضايا والزّبداني وبقين.

لقد آن للدول الإسلاميّة أن تتنبّه لخطورة المخطّط الذي يجري تنفيذه في سوريا برعاية وتواطؤ دولي؛ مخطّط يهدف إلى التّمكين لكيان طائفيّ مترامي الأطراف، يفتّ في عضد الأمّة، ويشغلها عن استكمال مسيرتها التي توقّفت بعد سقوط آخر قلاع الخلافة العثمانيّة.. آن للدّول الإسلاميّة أن تمدّ يدها للسّوريين قبل أن تحيق بالأمّة العقوبة على خذلانهم، فـ”ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته”.

المصدر : الشروق الجزائرية 

زر الذهاب إلى الأعلى