سرّب الأمريكيون الأسبوع الماضي خبرا عن موافقة الإدارة الأمريكية على «بقاء» الرئيس السوري بشار الأسد إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2017، وهو خبر يفترض، نظرياً، أن الإدارة الأمريكية عملت على إسقاط الأسد أساساً، وهو أمر يكذبه الكثير من الوقائع التي تؤكد أن إسقاط الأسد كان «الخط الأحمر» الوحيد الذي التزمت به واشنطن، وليس استخدام هذا النظام للسلاح الكيميائي ضد المدنيين، أو تهجير الملايين منهم، أو المساهمة في استفحال شأن تنظيم «الدولة الإسلامية» والمنظمات الراديكالية المتطرفة، أو التحالف مع إيران وحلفائها، أو «تهديد إسرائيل» و«دعم المقاومة»… إلى آخر قائمة «الإنجازات» التي ينسبها خصوم النظام أو مادحوه إليه.
لا يمكن اعتبار الأمر «خديعة» أمريكية، فالعديد من الشخصيات المعارضة الفاعلة تم إخبارها منذ بداية الثورة السورية عام 2011 بأن البيت الأبيض لا يريد إسقاط النظام، ولا يريد دعم الثورة عسكريا، ولا يريد إعطاء شرعيّة لحكومة سورية معارضة، كما يدرك «العارفون» بالشأن السوري أن أوامر أمريكية مباشرة منعت هجمات المعارضة السورية عام 2012 من الوصول إلى إسقاط النظام، وهو ما أدّى عمليّاً إلى بدء تراجع هذه المعارضة وصعود التنظيمات السلفيّة المسلحة واستعادة النظام وحلفائه اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين للمبادرة العسكرية مما ساهم في موجة إبادة وتطهير وتهجير هائلة.
بهذا المعنى لا يمكن اعتبار التدخل العسكري الروسي في هذا البلد، وقبول واشنطن بالخطوط العريضة لخطة موسكو لـ«التسوية السياسية» في سوريا، «إذعاناً» أمريكياً أو تطبيقاً لسياسة «الانسحاب» الأمريكية من المنطقة، فالأحرى اعتباره استمراراً لسياسة واضحة تفسّر الكثير من الغوامض، ليس في سوريا فحسب بل كذلك في تركيا والسعودية واليمن… وإيران!
من هنا يُفهم لماذا منعت واشنطن بصرامة فكرة إقامة «منطقة آمنة» تركيّة في سوريا (ورحّبت بتراجع الجيش التركي من العراق)، في الوقت الذي طالبت إيران، صراحة، بالتدخل العسكري بعد سيطرة تنظيم «الدولة» على الموصل وانهزام الجيش العراقي أمامه، كذلك يُفهم لماذا تدعم عسكريا وسياسيا حزب «الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات الحماية الشعبية»، وهي جهات عسكرية وسياسية سلّمها النظام، منذ بدايات الثورة، إدارة مناطق سورية واسعة للوقوف حاجزاً أمام المعارضة السورية.
من هنا يُفهم أيضاً سبب الصمت الأمريكي (والأممي) أمام الإبادة الممنهجة التي تقوم بها روسيا والنظام والميليشيات اللبنانية والعراقية الحليفة له للشعب السوري، ويدخل في ذلك ما يحصل حالياً في بلدات مضايا والزبداني وبقين والمعضمية من حصار وقتل بالتجويع، وقصف وحشيّ للمدنيين في الغوطة الشرقية ودرعا وإدلب وريف اللاذقية.
والحال إن تحليل ما يحصل من حصار وقتل بالتجويع لبلدات ومناطق سورية بعبارات توصيفية تتهم النظام وحلفاءه بالهمجية، أو باعتماد سياسات تهجير ديمغرافي طائفي، لا تستطيع تفسير القبول الضمنيّ لواشنطن وحلفائها الأوروبيين لحالة الإبادة المنهجية هذه.
يستخدم النظام وحلفاؤه شعار «الجوع أو الركوع»، وبذلك لا يخرج عن سرديّته التي بنى أساساته الصلدة عليها، غير أن منطوق السياسة الأمريكية (والأممية)، لو أردنا الحقيقة، لا يبتعد كثيراً عن هذه السرديّة، بل نستطيع القول إن أمريكا والغرب يستخدمانها، هما أيضاً، لإقفال الطرق أمام السوريين ووضعهم مجدداً أمام خيار القبول بالأسد.
عندما حاصر تنظيم «الدولة الإسلامية» بلدة كوباني جيّشت أمريكا كل قوتها العسكرية والسياسية لصدّه ودعم الأكراد المقاتلين، وانهالت المساعدات الجوّية الغذائية والعسكرية على المدينة إلى أن تمكنت من صد هجمات التنظيم، ولكنّ البلدات والمدن السورية التي يموت أهلها من الجوع لا يحظون بتصريح إعلامي ناهيك عن دعم عسكري أو مدّهم بالإغاثة الإنسانية رغم صدور قرار أممي سابق بهذا الخصوص.
من يخيّر السوريين بين الركوع والجوع هو أمريكا، ومن ورائها العالم، وليس فقط النظام السوري و«حزب الله».
المصدر : القدس العربي