لقد شهدت الثورة السورية خلال الاسابيع المنصرمة متغيرات كان التنبوء بها مستحيلاً قبل عدة أشهر لعل أهمها رضوخ جبهة النصرة للتحاكم في خلافها مع الفرقة 13 وذلك بعد مظاهرات خرجت ضدها في عدة مدن وبلدات سورية،
وأهمية مثل هذا الفعل تكمن في أنه يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين الجبهة وبين الشعب الثائر الذي استطاع المحافظة على طهره الثوري والذي لم يتلوث بالشعارات التي رفعتها جبهة النصرة ولم ينخدع بها ليثبت لها وللعالم أجمع أن الثورة أتت لإسقاط أعتى عتاة الدهر والذي يدعمه نظام عالمي ظهر أنه يتمحور على الجغرافية السورية ويدعم جماعة وظيفية تقدم خدمات لكل أعداء الأمة، ومن هنا فإن نظرة خارج سياق تفاصيل الأحداث تؤكد التقاء المصالح بين الثوار الذين خرجوا ضد النظام وبين القاعدة التي ادعت أنها خرجت لاسقاط هيمنة أمريكا على العالم أي بمعنى آخر اسقاط النظام العالمي الجديد والذي يقف سداً منيعاً ضد إقامة دولة الإسلام
المشكلة تكمن في أن الإدراك الفطري المتقدم للشعب بأن معركته هي معركة الأمة وبأن الظلم الذي وقع على المسلمين إبان انشاء الأمم المتحدة والتي ضاع بدهاليزها الصوت المسلم كلياً لم تدركه القاعدة ولا منظروها حتى اللحظة، فهي في تركيزها على المعركة ضد الغرب الكافر وعلى رأسه الولايات المتحدة انحرفت بوصلتها فغدا اسقاط نظام كنظام بشار المجرم مجرد تفصيل صغير في المعركة!، هذا الانحراف هو الذي أدى إلى أن تبتلع النصرة فصائل كان لها باع في التصدي لقوات النظام وهو الذي أضعف الجميع وأدى لإطالة أمد المعركة
أنا لا أؤمن أبداً بأن الحادثة مع الفرقة 13 ستجعل قادة جبهة النصرة يعيدون النظر في سياستهم تجاه الشعب وتجاه المقاتلين الذين رفعوا السلاح دفاعاً عن انفسهم وأعراضهم واضطروا مجبرين أن يمدوا يدهم للعدو الذي لا يقتلهم ويأخذوا منه السلاح لكي يدفعوا به العدو الصائل الذي يقتلهم وينكل بهم، بل إنني أدرك أن رضوخ جبهة النصرة هو مجرد انحناء للعاصفة ليس إلا، لكننا لا يجب أن نتصرف كما لو أننا غير مكترثين بالدماء التي من الممكن أن تنزف من شبابنا في حال أصرت النصرة على سياستها في استئصال بعض الفصائل وسرقة سلاحهم، وأن أي مواجهة محتملة بين فصائل لا تملك إلا أن تنحاز لشعبها كأحرار الشام مثلاً وجبهة النصرة هي مواجهة كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى هذه المواجهة وإن بدت بعيدة إلا أن قابلية حدوثها قائمة إلا إذا تنبه شبابنا داخل النصرة لخطورة اللحظة وعدلوا عن دعمهم لها وعن الانخراط في صفوفها وانحازوا لشعبهم واندمجوا في صفوف فصائل تعي فقه الأولويات وترتيب سلم الأعداء وتعي أن معركتها مع النظام هي معركة مع رأس حربة المجتمع الدولي وفي حال كسرنا تلك الحربة وكسبناها فإن وجه النظام العالمي كله سيتغير
أعتقد أننا يجب أن نترقب النتائج التي ستصدر عن اللجنة التي كلفت النظر في الخلاف بين جبهة النصرة والفرقة 13 لأن النتيجة بكل تأكيد ستؤسس لمرحلة لاحقة مختلفة تماماً عن تلك التي مضت بل وأدعي شخصياً أن تأثير نتائج هذا الحل أهم بمئة مرة من نتائج مؤتمر جينيف.
خاص لـ وطن إف إم