عشرات الكاميرات تمكنت من التقاط الصور للسفير الإسرائيلي لدى تركيا إيتان نائيه وهو يغادر مطار اسطنبول بطريقة مهينة وغير مسبوقة، بعد أن قررت أنقرة طرده احتجاجاً على المجزرة التي سالت فيها دماء 63 فلسطينياً في اليوم نفسه الذي افتتحت فيه واشنطن سفارتها في القدس المحتلة.
موظفو مطار اسطنبول تناوبوا على تفتيش السفير المغادر، ورفضوا معاملته كـ»دبلوماسي» بل عاملوه كـ»مواطن مطرود» بعيداً عن المعاملة الخاصة لكبار الشخصيات، وكل ذلك جاء في أعقاب موقف تركي تاريخي مناصر للشعب الفلسطيني ولمدينة القدس، وهو الموقف الذي لم يقتصر على تركيا الرسمية، ولا على الرئيس أردوغان ذي الخلفية الإسلامية، وإنما امتد الى شوارع اسطنبول التي احتشد فيها عشرات آلاف الأتراك للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي وبالمجزرة في غزة.
الموقف التركي ـ رسمياً وشعبياً- هو رد الفعل الطبيعي المطلوب والمنشود من دولة إسلامية كبرى ومستقلة، وتتمتع بالسيادة وتملك قرارها الذاتي، ويرأسها رجل انتخبه شعبُه ومنحه الشرعية، لكن الأمر غير الطبيعي والمفارقة المؤلمة هو أن يكون الرد التركي (غير العربي) بهذا الحجم وهذا المستوى، بينما يسرح ويمرح سفراء إسرائيل وموظفوها في عواصم عربية، من دون أن يتم استدعاء أي منهم أو إغلاق أي من هذه السفارات، أو تنكيس أي من أعلامها، بل حتى لم نسمع أن سفارة تل أبيب في القاهرة أو عمَّان قد تلقت أي احتجاج أو حتى رسالة عتب بعد المجزرة التي استهدفت متظاهرين مدنيين عُزّلا.
في عاصمتين عربيتين توجد سفارتان إسرائيليتان لم يتم إغلاق أي منهما، وفي تل أبيب توجد سفارتان عربيتان ولم تغلقا أبوابهما أيضاً، ولم تقدم أي دولة عربية أي احتجاج حقيقي لا على المجزرة الإسرائيلية في غزة ولا على المجزرة الأمريكية في القدس، التي تمثلت بافتتاح السفارة واعتبار المدينة عاصمة للاسرائيليين.
ولا يتوقف الزمن العربي الرديء عند هذا الحد من الإسفاف، بل حتى جامعة الدول العربية لم تعقد أي اجتماع، والقادة العرب الذين اجتمعوا في «قمة القدس» قبل أسابيع قليلة لم يكلفوا أنفسهم للاجتماع مجدداً، من أجل المدينة التي أطلقوا اسمها على آخر قمة لهم من باب «المجاملة» ليس أكثر، أو ربما لأنهم لم يجدوا لها اسما فسموها «قمة القدس»!
مجلس التعاون الخليجي كان غائباً تماماً هو الآخر، وهو الذي كان المشروع الوحدوي الوحيد الناجح في العالم العربي.. لم يعد ناجحاً، فهو اليوم شبه منهار، وأعضاؤه يحاصرون بعضهم بعضاً بسبب خلافات فسيفسائية قرروا ذات صباح أن يجعلوا منها قضايا كبرى.
من المؤسف والمأساوي أن نجد الأنظمة العربية موزعة بين صامت أمام ما يجري في فلسطين والقدس، ومتآمر ومتواطئ يتلهف للارتماء في الحضن الصهيوني.. بينما تقف تركيا ـ غير العربية – وحدها في موقف المناصر الحقيقي للفلسطينيين، ثم يأتي من يحاجج عن الأنظمة العربية المتخاذلة ويدافع عنها بالسؤال: ماذا بمقدورنا أن نفعل؟
والجواب: أنظروا الى تركيا وافعلوا مثلها. التباين بين الموقف التركي والموقف العربي يعيد التأكيد مجدداً على أن لدى العرب «أزمة إرادة»؛ فأنظمتهم «لا تريد» وليس «لا تستطيع»، هذا فضلاً عن أن الشارع العربي أيضاً لم يعد بريئاً هو الآخر، إذ يخرج الآلاف في شوارع اسطنبول وكوالالمبور تنديداً بسفارة أمريكا في القدس وتضامناً مع الدماء التي تسيل في غزة، وإحياء لذكرى «النكبة»، بينما نجد شوارع العرب غارقة في نوم عميق، ولم تشهد سوى احتجاجات محدودة على استحياء.. هذا يعني أننا في أسوأ أيام الزمن العربي الرديء.
المصدر : القدس العربي