تصاعدت على نحو ملفت للنظر في الآونة الاخيرة دعوات للحوار السوري، وكان الابرز في هذه الدعوات واحدة من روسيا واخرى من مصر، وثالثة في اوساط المعارضة السورية، ويمكن اعتبار مبادرة الموفد الاممي دي مستورا واحدة من دعوات الحوار، لانها في وجهها الاساسي، تقوم على تفاهم بين الاطراف السورية في عاصمة الشمال حلب لوقف القتال وخلق وقائع جديدة على الارض، وهو امر، لايمكن ان يتم دون حوار بين الاطراف المعنية.
ورغم ان الفكرة في جوهرها، فكرة واحدة، فان خلفية الفكرة، تبدو مختلفة لدى كل واحد من الاطراف، مما يعني ان مضمون الحوار وهدفه مختلفان، والجوهري في هذا الاختلاف، انما يعود الى موقف وموقع كل واحد من دعاة الحوار في اطار موقفه من الوضع السوري وآفاق معالجته. وفكرة الحوار السوري في روسيا، لايمكن عزلها عن موقف موسكو باعتبارها طرفاً رئيسياً من الداعمين لنظام الاسد، وهذا يعني، ان دعوة الحوار من جانبها انما تخدم موقف النظام وسياساته في القضية السورية، الامر الذي يتجسد عملياً في حقائق منها، طبيعة المدعويين للمشاركة فيه، باعتبارهم اشخاص، وليسوا ممثلين لتحالفات وجماعات في المعارضة السورية، وتقتصر الدعوة على المعارضة المدنية بما يعني استبعاد ممثلي التشكيلات العسكرية بما فيها التشكيلات المعتدلة، التي ترفض موسكو التواصل معها، ويصفها نظام الاسد ب”الجماعات الارهابية”. كما ان غياب اية اوراق عمل او تحديد لاهداف الحوار في موسكو، انما هو خدمة اكيدة لنظام الاسد الذي يصر على تعويم اي محاولة للبحث في القضية السورية ومعالجة اي جانب منها، وسيكون ذلك مكرساً في لقاء الحوار الذي ستنظمه موسكو بعد جلسات حوار المعارضة المنتظرة في حوار مماثل بين المعارضة والنظام، ليكون الحوار مقتصراً على معارضين يعترفون بالنظام، ويتحاورن معه بلا اوراق ولا اهداف ولا نتائج مرتقبة، يمكن ان تعالج جوهر القضيةالسورية او بعضاً من مفاصلها الرئيسية. ويختلف موضوع الحوار السوري في مصر في بعض جوهره ومحتوياته عن مثيله في روسيا. حيث مصر في الموقع الأقرب الى ثورة السوريين، وتسعى الى لعب دور في معالجة القضية السورية لاسباب متعددة، تتعدى موقف التعاطف مع قضية الشعب السوري الى تأكيد مصالح مصر في المنطقة والدفاع عنها، اضافة الى موقعها في العالم العربي وفي المنطقة، وكلها بين اسباب تدعوها الى فتح ابواب لحوار بين قوى المعارضة السورية بغية الوصول الى مشتركات سياسية، تعزز فرص الوصول الى حل سياسي، عندما تقلع مسيرة مفاوضات، تعالج القضية السورية. واذا كانت القاهرة لاتطرح اوراقاً وحيثيات في سياق الحوار السوري، فان تبنيها فكرة ان الحوار هو بين اطراف المعارضة، يعني ان اوراقها الضمنية في صف المعارضة وقضية الشعب السوري، ومما يعزز حضور ودور القاهرة، ان لها علاقات مع اطراف المعارضة من الائتلاف الوطني ومقره الرسمي هناك الى هيئة التنسيق التي جعلت من القاهرة اهم محطاتها الخارجية، كما ان اطراف المعارضة، بدأت جولة جديدة من حوار في القاهرة، وتوصلت الى مسودات مهمة حول موضوعات اساسية راهنة ومستقبلية من بينها مشروع الحل السياسي. اما موضوع الحوار السوري الذي تطرحه قوى المعارضة، فانه يشمل طيفاً واسعاً من الاهداف والغايات، ويعكس المسيرة المستمرة في فكرة الحوار منذ بداية لثورة، بل يعود الى الفترة التي سبقتها، حيث بعض القوى تهدف من الحوار الى جلب الآخرين الى مواقفها، وربما الى تخطئة مواقف الغير من قوى معارضة، وهناك من يسعى الى توافقات للمعارضة على قضايا اساسية او تفصيلية، والبعض يسعى الى توحيد اطراف في المعارضة او كلها من الناحيتين السياسية والتنظيمية، ووسط هذا التلوين من مواقف المعارضة في موضوع الحوار السوري، يمكن قول، ان الحوار في الظرف الحالي، يتسم بجدية اكبر نظراً لعاملين اثنين، اولهما دخول اطراف هي الاكثر فاعلية في الحوار وخاصة الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق، والثاني طبيعة المرحلة التي تجتازها القضية السورية وتبلور اللوحة الجديدة لخريطة الصراع السوري وامتداداته الاقليمية والدولية، والتهميش الذي صارت اليه القضية السورية وقوى المعارضة فيها بطبيعة الحال، اضافة الى محصلة القتل والتدمير والتهجير الذي صار اليه السوريين بفعل مايقوم به النظام والجماعات الارهابية المتطرفة، وضرورة التعامل مع المبادرات المطروحة والمحتملة لمعالجة القضية او بعضاً من محتوياتها على نحو ما تذهب مبادرة المبعوث الأممي ديمستورا. خلاصة القول، ان فكرة الحوار السوري، وان كانت فكرة جيدة ومطلوبة في الاساس والمبادئ، فانه لايمكن فصلها عن المعطيات والتفاصيل المحيطة بها، اذا لايجوز ان تكون غاية بحد ذاتها، انما وسيلة تأخذنا الى اهداف تتناسب مع احتياجات السوريين وخاصة الاساسية والملحة، كما ينبغي ان لا تكون مضيعة للوقت، اولكسب وقت لنظام الاسد من اجل الوصول الى حسم عسكري او المراهنة على وصول السوريين الى يأس من امكانية التغيير، او تحويل الحوار الى بحث في قضايا وموضوعات هامشية او لاتهم السوريين مباشرة، بدل تناول القضايا الجوهرية والاساسية، وهو المطلوب في اي حوار يتعلق بالشأن السوري.
المدن _ وطن اف ام