إذا كانت هزيمة تنظيم «داعش» ممكنة في عين العرب، كوباني الكردية، فلماذا لا تكون ممكنة في الرقة السورية وفي الموصل العراقية؟ وإذا كانت الغارات الجوية قادرة على إخراج التنظيم الإرهابي من هذه البلدة الواقعة على حدود تركيا وسورية، فلماذا لا تستطيع أن تفعل الشيء نفسه في المناطق السورية الأخرى التي يسيطر عليها هذا التنظيم، والتي تشكل امتداداً لـ «دولته» التي نشأت في العراق؟
بعد خمسة أشهر من الحصار ومعارك ضارية خاضها المقاتلون الأكراد ودعمتهم خلالها غارات طائرات التحالف الدولي، التي شنت أكثر من 80 في المئة من غاراتها على كوباني منذ بدأت حملتها ضد «داعش»، ها هو هذا التنظيم يندحر ويبدأ أبناء هذه البلدة بالعودة فرحين إلى ما بقي من بيوتهم، رافعين رايات النصر، التي حلت محل أعلام «داعش» السوداء.
أسئلة كثيرة يطرحها هذا «الانتصار» على «داعش» في كوباني. أول الأسئلة يتعلق بمصير التنظيم الذي يقلق العرب والمجتمع الدولي، بعد أن فتح الباب واسعاً أمام استفحال النشاطات الإرهابية وأعمال الخطف والتصفيات الوحشية. هل تقدّم معركة كوباني الوصفة اللازمة لاستعادة سائر المناطق التي لا يزال يسيطر عليها أبو بكر البغدادي؟ أم أن كوباني هي حالة خاصة التقت فيها الأهداف الكردية مع المصالح الغربية التي سهّلت للمقاتلين الأكراد هذا الانتصار؟
يقود هذا إلى سؤال آخر يتعلق بمستقبل المناطق التي يستعيدها المقاتلون الأكراد، مدعومين بالغارات التي تشنها طائرات التحالف الدولي، سواء في سورية أو في العراق. قبل كوباني تمكن الأكراد، في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من استعادة السيطرة على جبل سنجار في شمال العراق، الذي ارتكب «داعش» فوق تلاله المجازر التي تعرض لها الايزيديون والمسحيون، فقتل العشرات منهم، وتمّ تهجير الباقين من بيوتهم والمتاجرة بنسائهم في أسواق الرق بأسعار كان يتم التفاوض عليها بحسب عمر السيدة أو الفتاة وصلاحيتها لمتعة عناصر «داعش». وشارك في معارك سنجار ما لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل كردي، سقط منهم العشرات قتلى. وكذلك كلفت استعادة كوباني مقتل ما لا يقل عن 600 من عناصر «البيشمركة» الذين قدموا من شمال العراق، ومن وحدات «حماية الشعب الكردي» التي تم تنظيمها من أبناء البلدة بهدف طرد قوات «داعش» منها.
هل سيكون الأكراد، في شمال العراق وسورية، مستعدين لاعادة هذه المناطق إلى الحكم المركزي في البلدين، وما هو هذا الحكم المركزي الذي يأمن الأكراد جانبه ليعيدوا إليه مناطقهم، التي دفعوا دماء وتضحيات في سبيل السيطرة عليها، بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة في معاملتهم كأفراد مواطنين متساوين في الحقوق مع سائر أبناء البلاد؟ أم أن كوباني، بعد كركوك واربيل والسليمانية، ستكون المدن التي سيحتمي فيها الأكراد من جور ذوي القربى؟
من هنا تبدو مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محلها. فهو عندما يحذر من قيام منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمالي سورية، شبيهة بتلك القائمة في شمال العراق، لا يقر فقط بأمر بات واقعاً، بل يؤكد خوفه على مستقبل المناطق الكردية في بلاده، حيث يتسع الشعور بالحرمان والإحباط، بعد أن أثارت سياسات أردوغان المترددة حيال دعم أكراد سورية والعراق قلقاً من صدق الانفتاح التركي على المناطق الكردية.
هزيمة «داعش» تحتاج إلى أكثر من استعادة كوباني. انها تحتاج إلى استعادة الدول المركزية مناعتها وقدرتها على حماية كل مواطنيها. عندما يفشل الجيش العراقي في الدفاع عن الموصل، بعد أن خرجت كركوك وسواها من يد بغداد، وعندما يخسر الجيش السوري معركة كوباني، مثلما خسر قبلها نفوذه ووجوده في المدن السورية الكبرى، تكون نهاية «داعش» بحاجة إلى أكثر من غارات التحالف الدولي.
الحياة _ وطن اف ام