عندما ظهرت “دولة العراق الإسلامية” قبل عشر سنوات، برزت منظمة ارهابية متطرفة، يقتصر وجودها على العراق، تنظيماً ونشاطاً. ورغم ان مؤسسها ابو مصعب الزرقاوي اردني الجنسية، فان ذلك لم يبدل كثيراً من طبيعتها العراقية، ولا بدلت من طبيعتها العلاقات التي كانت تربط بين بعض قياداتها وكوادرها مع الامن السوري، كما لم يغيير ذلك، انها انبثقت من تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين والمعتبرة فرعاً من فروع القاعدة، قبل ان تتخذ اسمها اللاحق “دولة العراق الإسلامية”، وانتشرت في كثير من المحافظات العراقية بينها الأنبار، ونينوى، وكركوك، وبغداد وديالي وغيرها من محافظات، عملت فيها بمواجهة القوات الاميركية من جهة وحركة الصحوة، التي نظمتها عشائر عراقية برعاية اميركية.
وطوال سنوات من وجودها ونشاطها، ظلت “دولة العراق الإسلامية” محصورة في العراق، وانتقلت قيادتها الى العراقيين بعد مقتل الزرقاوي، فتولاها ابو عمر البغدادي، ثم انتقلت الامارةالى أبو بكر البغدادي بعد مقتل الاول. وقد فتحت تطورات ثورة السوريين ضد نظام الاسد، وتحول سوريا الى ساحة للصراعات المسلحة وللتنظيمات الاسلامية المتشددة الباب نحو تحول نوعي وكمي في دولة العراق الاسلامية، فولد لها تنظيم في سوريا، حولها الى الدولة الاسلامية في الشام والعراق، تعبيراً عن امتدادها في البلدين وجوداً ونهجاً، اساسهما حشد من متطرفين، كانوا معتقلين، تم تهريبهم من سجون الحكومة العراقية في مسرحية، كان بطلها رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي، ليتم دفعهم باتجاه الاراضي السورية، ليشكلوا القوة الضاربة ل”داعش” في سوريا، والتي انضم اليها وافدون من كادرات وعناصر التطرف القاعدي، تم تنظيمهم ودفعهم للالتحاق مع اقلية من السوريين بمسلحي “داعش”في سوريا في تعبير اولي عن تحول “داعش” الى العالمية. ومثلما كانت كانت عملية تهريب قيادات وكوادر القاعدة من السجون العراقية، عملية استخبارية، جاءت في السياق ذاته، عمليات تمرير المتطوعين الاجانب المتطرفين الى سوريا وفق خطط اعدتها ونفذتها اجهزة استخبارية متعددة، كان في عدادها الاستخبارات الروسية، التي مررت متطوعين من الشيشان عبر تركيا، والاستخبارات الايرانية، التي ساعدت في مرور متطوعين من افغانستان وباكستان عبر العراق، ولم تكن المخابرات السورية بعيدة عن تلك الجهود، فسهلت وساعدت في تجنيد وتمرير عناصر متطرفة للانضمام الى “داعش”، فيما كانت خلايا التطرف وتحت سمع وبصر اجهزة الاستخبارات الغربية، تقوم باصطياد وتنظيم المتطرفين في العديد من الدول الغربية، وتدفعهم الى سوريا للقتال في صفوف “داعش”. لقد وضعت تطورات النمو الكمي “داعش” امام نقلة جديدة في وجودها واعمالها، وكلاهما لم يكن ليتم دون توفير امكانات مادية في المال والسلاح الضروريين، وهي مهمة تولاها حاكم العراق السابق نوري المالكي على نسق دوره في تعزيز قوة “داعش” بالمقاتلين، فاعطاها فرصة الهجوم على مناطق واسعة في شمال العراق، استولت في خلالها على معسكرات ومستودعات للجيش العراقي وعلى مصارف ومؤسسات تابعة للدولة العراقية، استولت من خلالها على سلاح وذخائر واموال، جعلتها قوة عسكرية هامة في خريطة القوى المسلحة في العراق، تقف في مواجهة قوات الجيش العراقي والقوة المسلحة لاقليم كردستان العراق مع نمو قدرتها المالية لحوالي خمسمائة مليون دولار، حولتها لاغنى تنظيم متطرف في العالم، حسبما قدرت الاستخبارات الاميركية. صورة “داعش” اليوم، تبدو فاضحة في حضورها وممارساتها، وهي تنتشر على مساحات واسعة من اراضي سوريا والعراق بعد ان ازالت الحدود الفاصلة بينهما، وفي صفوفها عشرات آلاف المسلحين القادمين من مايزيد عن ثمانين بلداً، القسم الرئيس من سلاحهم من احدث الاسلحة الاميركية، التي تم الاستيلاء عليها من الجيش العراقي، وتتوزع خلايا “داعش” النشطة والنائمة في عشرات البلدان بينها تركيا ولبنان ومصر وفرنسا وبلجيكا، وتملك جهازاً اعلامياً، وحضوراً ملموساً في وسائل التواصل الاجتماعي، يؤديان عملاَ دعاوياً وتنظيمياً كبيرين عبر العالم، ولديها عاصمة للدولة في الرقة السورية، اطلقت فيها وفي مناطق تسيطر عليها الجهود لتشكيل ادارات ومؤسسات، واقرت نظاماً للتعليم بمافيه تعليم الطب، واصدرت عملة وجوازات سفر باسمها، ورسمت خارطة لها، تمتد على مساحات واسعة من قارات العالم القديم، ولعل الاهم في صورة “داعش” دموية تصرفات قادتها في التعامل مع غيرهم سواء كانوا من المسلمين او غيرهم، او هم من المسلحين أو المدنيين ، ام كانوا من النساء والاطفال، حيث الضحايا من الجميع، ولن يعدم عناصر “داعش” مبررات سياساتهم وممارساتهم، التي يقنعونها بالدين الاسلامي. العنصر الاهم في عالمية “داعش”، يبدو في موقف التحالف الدولي لمكافحة الارهاب الذي تشكل الصيف الماضي بقيادة الولايات المتحدة بهدف محاربة “داعش”، وضم عدداً كبيراً من الدول العربية والاجنبية، والتي شارك عدداً منها في عمليات القصف الجوي على قوات “داعش” واماكن تحشداتها في العراق وسوريا، وهي عمليات لايمكن لها ان تؤدي للقضاء على “داعش” حسبما يريد التحالف الدولي، اذ لايمكن تحقيق مثل هذا الهدف الا بمزامنة القصف الجوي مع عمليات تتم على الارض، ومالم يتم ذلك، فان “داعش” باقية وتتمدد، وتصبح ذات حضور عالمي متزايد خاصة مع يحيط بها من تضخيم وتهويل اعلامي غير محدود.
المدن _ وطن اف ام