تتسارع الأحداث في أرض وفضاء معركة الحسم المقبلة الموعودة ضد داعش في العراق وسوريا، خصوصا بعد الجريمة الوحشية لهذا التنظيم بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. وكأن طلائعها باتت قريبة جدا حتى أن مدير تنسيق التحالف الدولي الجنرال جون آلن قال إن الأيام المقبلة ستشهد بدء هذه المعركة في الموصل فيما خالفه الناطق باسم البنتاغون جون كيربي في ذلك قائلا: لن يتم تحقيق هذا الهدف قبل وثوق الأميركان بجهوزية الجيش العراقي.
ومما يزيد من ضبـابية الصـورة الإشـارات الواردة في خطاب باراك أوباما خلال طلبه تفويضا من الكونغرس لمدة ثلاث سنوات لشن الحرب على داعش، بإمكانية دخول قوات برية أميركية للقتال في العراق، وسط تصريحات عراقية غامضة حول مشاركة تلك القوات، حيث أعلن وزير الخارجية العراقية إبراهيم الجعفري عدم طلب العراق لقوات قتالية أميركية على الأرض، مع أن أكثر من ثلاثة آلاف عسكري موجودون حاليا داخل القواعد العسكرية ومن بينها قاعدة “عين الأسد” التي هوجمت قبل أيام من “داعش”.
ومرجع هذا الغموض العراقي هـو الموقف الإيراني الرافض لعودة القوات الأميـركية إلى العراق، مع أن سماءه مغطاة بهيمنة أميركية وحيدة، فإيران تمتلك الأرض وأميركا تمتلك السماء. فيما ما زالت الوقائع العسكرية البعيدة عن الإعلام التعبوي الدعائي، تشير إلى أن هناك مساحات واسعة في مراكز وأطراف المحافظات العربية السنية من غير الموصل، تشهد معارك الكر والفـر دون حسم عسكري نهائي لطرد التنظيم المتطرف عنها، من بينها مناطق حساسة كقاعدة عين الأسـد في الأنبار وبيجي وتكريت وسامرّاء، إضافة إلى معارك المناطق المتنازع عليها بين عرب العراق وأكراده، ورغم الخسائر المتواصلة التي يتكبّدها تنظيم داعش جراء تكثيف الضربات الجوية، إلا أن الحديث عن مدى زمني في الأسابيع لمعركة الموصل غير منطقي مـن النـاحية العسكـرية.
كما إن إهمال الجبهة السورية في أي معركة برية مقبلة، يعني أن التنظيم المتطرف سينحصر في بقعة جغرافية ضيّقة، وتبقى مخاطره قائمة. وفي يوميات الحرب الحالية تغطي وسائل الإعلام عمليات استعراض قوة النفوذ بين الطرفين المهمين (إيران وأميركا)، الإيرانيون يتحدثون بثقة عن قيادتهم لهذه الحرب في العراق، بل إن رئيس منظمة بدر هادي العامري قال في السابع من يناير بأنه لولا طهران والقائد قاسم سليماني لسقطت حكومة بغداد. ونقل عنه قوله في مدحه لقاسم سليماني بأنه أفضل من المستشارين الأميركان الجالسين في المنطقة الخضراء. بينما الأميركان يعلنون بأن هذه هي حربهم العالمية ضد الإرهاب.
ورغم ذلك فإن الوقائع تشير إلى أن هناك تنسيقا بين الأميركان والإيرانيين في الصفحة الحالية من الضربات الجوية في العراق وسوريا. أما على الجبهة السورية فقد استبق الإيرانيون الأميركان في احتمالات المعركة البرية المقبلة وامتدادها إلى الأراضي السورية، فأقاموا قبل أيام غرفة عمليات تدير ما أطلقوا عليه هدف استعادة نقطة تلاقي المحافظات الثلاث (القنيطرة، درعا، ريف دمشق الغربي) وفتحت المعركة لمنع تدفق قوات المعارضة المسلحة نحو العاصمة دمشق وسط اتهامات أطلقها وزير الخارجية السوري المعلم بتورط الأردن في تصدير “الإرهابيين إلى الأراضي السورية”. وهذا ما يزيد من تعقيد الاستعدادات للمعركة الفاصلة المقبلة.
أوباما ومخططو سياساته في البيت الأبيض أدركوا اليوم أنه من الصعب تجزئة المعركة في كل من العراق وسوريا، وفق تبريرهم بأن تأجيل الصفحة السورية مرتبط بمواقف أوباما المترددة والمتقلبة من قضية رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، الـذي وقفت كل من إيران وروسيا بقوة إلى جانب استمراره في السلطة، وتمكن هذا الحلف من إفشال مشروع “جنيف واحد واثنين” لأنه يقود إلى انتزاع السلطة من رئيس النظام لصالح المعارضة.
تسير تطورات الأوضاع بسرعة أكبر من مواقف وقرارات الرئيس الأميركي الذي ما زال يعتقـد أن التعـاون مع إيران يساعده على التحديات الصعبة في الحرب على الإرهاب، مع أنها تقدم له في كل يوم مثالا على الإصرار في انتزاع مكانة النفوذ في المنطقة بعد هيمنتها على العراق وسوريا ولبنان، حيث انتزعت مكانة استراتيجية خطيرة في ممرّات الخليج عبر اليمن الذي يتوقع انزلاقه في حرب أهلية طاحنة بعد انقلاب الحوثيين ومصادرتهم للسلطة. أوباما يشعر بخيبة أمل من النظام السياسي في العراق الذي رعاه ورعى رئيسه، نوري المالكي، الذي انفلتت سياسته خصوصا في قضية التعامل الطائفي مع العرب السنة وتصاعدها خلال عامي 2013 و2014، مما سهل كثيرا اندفاع داعش داخل الأراضي العراقية إلى جانب انكشاف هشاشة بنيان قوات الجيش.
ومما يضاعف هذه التعقيدات اللوجستية والسياسية في الاستعداد لمعركة التحرير من داعش وأنها ليست قريبة مثلما يحكى، ما يعيشه الوضع السياسي العراقي من ارتباك وغموض رغم العملية التي أدارها الأميركان لإخراج حكومة حيدر العبادي. حيث يجد العرب السنة أنهم ما زالوا في محطات الانتظار وسط مناخ متصاعد من عدم ثقة الحكومة بهم رغم الاتفاق السياسي بين ممثليهم والعبادي.
ورغم بيئة التفاؤل التي أحاطوه بها، وكذلك عرب العراق، إلا أنه لم يتمكن لحد الآن من حسم ضبط التوازنات المطلوبة بإزالة الحيف عنهم، وتوفير المستلزمات السياسية للانتصار على داعش في العراق، وسط إصرار القوى المتطرفة داخل التحالف الشيعي على استمرار تكبيلهم بإجراءات الاجتثـاث، وتعطيل عمليات تسليح عشائرهم، فلا معركة قريبة تلوح في الأفق، ولا انتصار حاسما على داعش دون حل سياسي في العراق والذي أصبحت متطلباته واضحة.
العرب اللندنية _ وطن اف ام