صور مئات الجنود الأتراك وهم يدخلون سورية في مهمة لإنقاذ ضريح سليمان شاه جد السلالة العثمانية ومن دون إبلاغ النظام في دمشق، هو نقطة تحول لدور أنقرة في الحرب. فالتنسيق مع المعارضة السورية والقوات الكردية، وتقاطع مؤشرات اقليمية وتركية-أميركية تفض من الخلافات وترفع مستوى التنسيق يفتح صفحة جديدة للدور التركي في الأزمة السورية.
التوغل التركي شرق محافظة حلب ونقل الضريح والجنود الأتراك الذين يحرسونه الى موقع اقرب الى الحدود التركية، له دلالات عدة بخصوص زمان العملية ومكانها. فالزمان لا يرتبط بالضرورة بتهديد آني للضريح كما أفادت الحكومة التركية، على رغم انه يبعد 30 كلم عن مدينة الرقة الواقعة تحت سيطرة “داعش”. فلا مؤشر اليوم على توسع التنظيم خارج الرقة والى منطقة الضريح، ولا نية ايضا للتحالف الدولي في هذه المرحلة بتحريرها. فضلاً عن ان فصائل المعارضة السورية الموجودة في منطقة الضريح على علاقة جيدة بالجانب التركي. ومن هنا يرتبط التوقيت أكثر بضمانات دولية واقليمية حصلت عليها أنقرة قبل القيام بمغامرة عسكرية هي الاولى لها منذ اربع سنوات على النزاع السوري.
دوليا، سبق التوغلَ بأيام اتفاقٌ أميركي-تركي على تدريب المعارضة السورية وتسليحها يتضمن تفاصيل حول هوية المجموعات، والحماية الجوية من التحالف، وأبعاد هذه المهمة في السنوات المقبلة. هذا الاتفاق لم يكن ممكننا قبل عامين وسط تردد إدارة باراك اوباما وحفظها مسافة من الازمة السورية ومن اي خيار عسكري فيها.
وعدا عن “داعش” فان نقطة التحول الاميركي الاخيرة اسهمت فيها نتائج معركة كوباني وتفوق تحالف من مقاتلين أكراد ومن الجيش الحر للتنظيم الإرهابي هناك. فميدانيا، لم يكن الاتفاق التركي-الاميركي ولا التوغل ممكنا لولا نتائج كوباني والتي نجح فيها توزيع الأدوار بين واشنطن وأنقرة وإربيل في تحسين العلاقة بين هذه الجهات. ومن أقوى ترددات كوباني كان التحول الإيجابي في العلاقة بين تركيا والمقاتلين الأكراد السوريين في “وحدات حماية الشعب” الذين تم وبحسب التقارير الإعلامية التنسيق معهم لنقل الضريح الى موقع بالقرب من كوباني. وكانت الضمانات الاميركية ودور البشمركة ساعد كثيرا في تحسين هذه العلاقة وتوفير انقرة تعاوناً اكبر لمرور المقاتلين الى كوباني.
هذه الظروف تتقاطع ايضا مع تحسن في علاقات تركيا الاقليمية وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمها السعودية. هذا التحسن بحسب مصادر قريبة من الجانبين هو وليد شهور مِن الاجتماعات والزيارات قام بها وزيرا خارجية البلدين وأخيرا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قطع جولته الافريقية للتعزية بالملك عبد الله بن عبد العزيز.
هذه التحولات التركية مع الأكراد ومع واشنطن وإقليميا قد لا تفضي بالضرورة الى دخول أنقرة التحالف الدولي بسبب المخاوف المستمرة لها من خلايا نائمة لـ “داعش” في تركيا، إنما فيها إستدارة نحو دور عسكري اكثر علنية للجيش التركي في الازمة السورية. ويمكن القول انه وطبقا لنتائج تدريب المعارضة السورية ومعارك الشمال السوري في الأشهر المقبلة، فهذا المناخ قد يفضي في المرحلة الأطول الى تأسيس منطقة آمنة. هذا الامر لا مهرب منه في نظر المراقبين، مع استمرار الأفق السياسي المسدود في دمشق والمخاطر الأمنية المتمددة اقليميا ودوليا عبر الثغرات الحدودية بين تركيا وسورية.
الحياة _ وطن اف ام