مقالات

وائل قنديل : لن تنجح ثورة لا يشارك فيها الجميع

كانت شيطنة الإخوان وعزلهم وعزلتهم عن باقي مكونات الكتلة الثورية هي العمود الفقري لحمل وتنفيذ مؤامرة الانقلاب على ثورة يناير، والانتقام منها، ومن ثم تخطئ كل الأطراف المنتمية لهذه الثورة العظيمة إن اعتبرت أن الانقلاب كان على حكم الإخوان المسلمين، وأزعم أنه لو كان هناك رئيس آخر منتخب غير الدكتور محمد مرسي، ما كانوا سيتركونه في مكانه، لأن ملوك الطوائف في دولة مبارك ما كانوا يقبلون بأن يحكمهم واحد من الشعب.

وعلى ذلك، لا جديد في تسريب وزير الداخلية المصري سوى أنه يضعك أمام أول اعتراف رسمي بأن التسمية الصحيحة للانقلاب أنه “انقلاب 30 يونيو”، وليس “انقلاب 3 يوليو”.
وزير الداخلية يقرّ، بوضوح، بأن ما جرى كان ثمرة التحالف بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الشرطة، ولولا ذلك ما نجحت الحشود المستدعاة بالتوجيه العسكري البوليسي في تهيئة المناخ لاختطاف الرئيس المنتخب.
لعلك تذكر تلك الدعوة الثنائية التي صدرت من وزيري الدفاع والداخلية، بعد تناولهما الغداء في نادي الشرطة للقوى السياسية للقاء في استاد الدفاع الجوي (المكان الذي شهد مجزرة الأولتراس فيما بعد)، من دون علم رئيس الجمهورية، كما لا يغيب عن الذاكرة أن أنصار المخلوع نشطوا في توزيع استمارات “تمرد” أمام مقر محاكمة حسني مبارك، كما أن علامات حضور المكون الفلولي العميق كانت متوفرة بكثافة في مطبخ التحضير والحشد ليوم 30 يونيو، بل إن رموزاً ثورية ذائعة الصيت والانتشار كانت تجلس، كتفاً بكتف، مع المتحرقين شوقاً لإعادة جمهورية مبارك، من دون أن يستشعر الثوار حرجاً أو خجلاً مما هم فيه.
ولا تنس، أيضاً، أن التعبئة العامة الأخيرة لحشد الناس للانقلاب انطلقت من مركز إعداد القادة التابع للقوات المسلحة، على لسان مدير مكتب عمر سليمان، مدير المخابرات الراحل، وكان ذلك في 25 يونيو، حين تحدث الجنرال الصغير ليقطع اللواء الشك باليقين، ويعلن، بوضوح تام، أن الثلاثين من يونيو هو الموعد المضروب لقوى الثورة المضادة، لكي تنفذ انقلابها، وتجهز على ما تبقى من ملامح وآثار لثورة يناير، التي سماها “مؤامرة”.
إذن، ترتكب كل أطراف يناير خطيئة في حق نفسها، وحق ثورتها، إن هي واصلت هذا الاشتباك الأحمق حول الماضي القريب التعيس الذي أوصل مصر كلها إلى هذا المصير البائس، داخلياً وخارجياً، ويصدمك أنه، في غمرة الاحتراب بين القوى السياسية المضارة من الانقلاب، بدأ بعضهم ينسى ثورته، وتاريخها الذي لم تمر عليه سوى أربع سنوات.
لقد صعقت حين وجدت انقلابياً على شاشة الجزيرة يزعم، أو بالأحرى يكذب، ويزيف التاريخ، مدعياً أن جريمة ضابط الشرطة قناص العيون وقعت في عهد محمد مرسي، وأنه تمت تبرئته بمعرفة الإخوان، بينما الضيف الإخواني الآخر، والذي كان مستغرقاً في شيء آخر، يبتلع الكذبة ويتركها تمر، من دون أن يقول إن الجريمة وقعت في أحداث شارع محمد محمود الأولى نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وأن الحكم بالسجن على الضابط صدر في أيام رئاسة محمد مرسي، وأن أحداً لم يكن يعلم أنه مطلق السراح خارج السجن، إلا حين ظهر وجهه، وهو يعتقل الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية السابق.
والشاهد في ذلك أن السجال السياسي، الآن، لم يعد يدور على أرضية استعادة ثورة يناير، وتلك هي الهدية الثمينة التي تتلقاها منظومة الانقلاب كل يوم.
وأكثر ما يصيبك بالدهشة والصدمة أن الجميع منقادون في استسلام مخيف لهذه اللعبة. يصدر حكم على علاء عبد الفتاح والمتهمين في قضية تظاهرات مجلس الشورى، فيمتد حبل الشماتة والتشفي على مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة أن هناك من شمت وتشفى في مجزرتي رابعة العدوية والنهضة، على الرغم من أن السيف بات على رقاب الجميع، وأن القضية، الآن، باتت من الوضوح ما يكفي لوقف هذه العبثية، أو العدمية الثورية التي يتصور فيها كل طرف أنه وحده هو الثورة.
إنه الانتحار بعينه، حين يتوهم أحد أنه من الممكن استرداد ثورة، من دون مشاركة الجميع.

وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى