باتت الفصائل الجهادية تسيطر على إدلب خاصة وبشكل أقل على حلب وريفها، وهي فصائل مدعومة بأكملها من تركيا وقطر بصورة خاصة وغيرهما. وتشن أميركا وحلفها حربا ضد داعش الذي يسيطر على الرقة ودير الزور وجزء من ريف حلب، لتمنعه من التمدد ولكنها لا تقضي عليه كما تشير نتائج تلك الحرب.
يشكل دعم القوى الجهادية احتجاجا على إستراتيجية الحرب على الإرهاب التي أعلنتها أميركا ضد داعش والنصرة. الاحتجاج التركي يتمثل في كيفية محاربة داعش والموقف من النظام ومن الأكراد.
النظام الذي هو سبب رئيسي في مآلات سوريا، ظهر ضعيفا في مدينة حلب حيث أعلن بدء معركة استعادتها، وإذا به يخسر تباعا، والفصائل التي تقاتله تتقدم وتحاصر الأحياء والبلدات التي تتحصن فيها قواته، إذن ليس مسموحا أن يستعيد النظام مدينة حلب، وهذا ما تقوله تركيا بوضوح للنظام.
تركيا المهووسة باستعادة الدور العثماني في المنطقة والمتطلعة للسيطرة على سوريا والغاضبة من الرفض الأميركي لإسقاط النظام ترسخ وجودها على الأرض، فهي تدعم الفصائل الجهادية خاصة والمعارضة السياسية كذلك، وتقوم بتنظيم العلاقة مع الجهاديين وضبط خططهم بما يتوافق مع إستراتيجيتها، وإن دخول القوات التركية قبل عدة أيام لحماية قبر “سليمان شاه” ونقل رفات جد العثمانيين إلى قرية “آشمه”، تمّ بسلاسة وبتنسيق مع داعش والأكراد.
النظام بدا في الأشهر الأخيرة ضعيفا بالمعنى العسكري، وقوته “الوهمية” متأتية من غياب قرار أميركي بإسقاطه وتأكيدها المستمر أن الحرب على الإرهاب لا تستهدفه في هذه المرحلة. ضعفه هذا أظهرته معركة الجنوب، فهو ولأول مرة يدعم لوجستيا ولا يقود العمليات التي أشرف عليها قاسم سليماني كما تسرب إعلاميا، ويزداد التدخل الإيراني في جبهات حلب وبقية المدن، وهو ما يسمح بالقول أن إيران تنتقل من مرحلة التدخل في سوريا إلى مرحلة الاحتلال.
يصبح المشهد بهذه الصورة: مناطق الشرق والشمال تقع بيد تركيا، والعاصمة ومدن الساحل والجنوب تتم محاولة تحريرها بقوات إيران، وهذا يعني أن أميركا لا تريد إنهاء الحرب بل تسعى إلى توريط الدولتين المهيمنتين في المنطقة بحرب قادمة تأخذ لبوس المقدس والصراع بين السنة والشيعة.
ربما لن تتطور الأوضاع إلى حرب إقليمية، ولكن هيمنة الدول المذكورة على الأرض السورية تدفع الأمور نحو هذا الخيار. الخاسر الأكبر هي الدول العربية التي يتهمش حضورها في المسألة السورية. وضمن هذا التهميش يتمّ توريط مصر في معركة ليبيا، والتي لا بوادر لحل سياسي قريب فيها، سيما وأن التوافق على كل المنطقة لا يزال بعيد المنال، والكلام يشمل سوريا والعراق.
أميركا ورغم تأكيدها أولوية التوافق مع إيران بخصوص النووي، إلا أنها ليست مستعجلة بخصوصه، وها هي تطلب ثلاث سنوات إضافية لمحاربة الإرهاب كما ذكرنا، وهذا يعني أن لا اتفاق نوويا قريبا، وقد يتم توريط تركيا وإيران بمصادمات عنيفة في سوريا، وهذا بدوره يتلاقى مع سياسة الاستنزاف التي تتبعها أميركا في سوريا؛ فهي بذلك تستنزف إيران وحزب الله، وكذلك تركيا ودول الخليج، سيما وأن الخليج لديه الكثير من الخلافات مع أميركا بخصوص النظام السوري والموقف من إيران.
تركيا منذ أن أنهت العلاقة مع النظام السوري أواخر 2011، تريد إسقاطه وتدعم المعارضة السورية وتحديدا الإسلاميين، الإخوان أولا والجهاديين ثانيا، وهذا سيستمر إلى أن تضمن مصالحها القادمة في سوريا. اتجاه خامنئي المسيطر في النظام الإيراني دعم النظام منذ اليوم الأول للثورة بكل الطرق ولم يتوان يوما عن ذلك. تركيا وإيران تريدان تحقيق هيمنة إقليمية على المنطقة وعلى سوريا خاصة.
هل تندفع المنطقة نحو حرب دينية واسعة؟ إن مراقبة تدهور الأوضاع في العراق واليمن وسوريا والآن ليبيا، وربما تتصاعد الأوضاع سوءا في مصر؛ كلها تقول أن ذلك أحد السيناريوهات المعدّة للمنطقة. وهذا سيضعف الدول التي عززت قدراتها في المنطقة مؤخراً؛ فتركيا تتأسلم باطراد وتبتعد عن أميركا، وإيران تجد نفسها بموقع القوة سيما بعد تمدد الحوثيين إلى صنعاء ومحاولتهم السيطرة على كل اليمن.
هذه القوى الإقليمية المتقدمة ورغم أنها تتقدم أمام ناظري أميركا، إلا أنها لن تسمح بأكثر من حدود معينة، فإسرائيل تتضرر منها وكذلك الدول العربية وإن لأسباب مختلفة، ولذلك نجد دور الأخيرة خافتا في اليمن، متراجعا في سوريا، وليس له حضور في العراق وحتى في لبنان.
ربما لن تحصل مواجهات عسكرية إيرانية تركية مباشرة، وهذا احتمال مرجح، ولكن هاتين الدولتين لن تتوقفا عن ممارسة كل أشكال الدعم للقوى الجهادية وغير الجهادية وتهيئة الأجواء لهكذا احتمال رغم عدم أرجحيته. وإن سبب استمرار الدعم وإظهار الصراع بمظهر ديني يتوافق مع أيديولوجية الدولتين وبما يسمح لهما بالهيمنة على السلطة القادمة في سوريا.
العرب اللندنية _ وطن اف ام