مقالات

فايز سارة : في تقوية الحرب على «داعش»

تشهد بلدان المنطقة حركة دبلوماسية نشيطة، تتضمن زيارات لقادة ومسؤولين كبار لعدد من عواصم المنطقة وخاصة المملكة العربية السعودية، وسجلت زيارات عواصم المنطقة دخولا قويا لكل من الأردن ومصر وتركيا على خط الحراك الدبلوماسي، وهو أمر ينبغي الانتباه إليه، لأنه يمثل نقطة تحول في العلاقات البينية لأكبر أربع دول في المنطقة لها اهتمام وانشغال كبير بالقضية السورية، وهي السعودية وتركيا ومصر والأردن، ويمكن للسعودية أن تكون عراب التحول في علاقة هذه المجموعة المهمة من دول المنطقة.

ولا ينفصل الحراك الدبلوماسي في عواصم المنطقة عن علاقات بلدانها مع دول العالم الأخرى ولا سيما دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حيث تتم لقاءات وزيارات، وتبادل رسائل، وإطلاق تصريحات، تؤكد جميعها على تكامل في الحراك الدبلوماسي بين دول المنطقة، والدول الأكثر اهتماما بالمنطقة من دول العالم، وكله من زاوية الحرب على «داعش» والتي تختصر اليوم عنوان التعاون الدولي في الحرب على الإرهاب.
ولا يمكن الفصل بين سياق الحراك السياسي والدبلوماسي الجاري في المنطقة وعبرها إلى كثير من عواصم العالم عما يحدث في علاقات بين الدول لها طابع عسكري من طراز تعاون العراق مع إيران، وقد استعان العراق بطائرات إيرانية لضرب مواقع «داعش» في تكريت بالعراق الأوسط، أو التعاون الدولي في تدريب وتسليح قوات للمعارضة السورية المعتدلة الذي ستتابعه الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر، ومثله تسويق الفرنسيين طائرتهم الجديدة لكل من الإمارات ومصر، وقيام الأخيرة باستخدام الطائرة الجديدة في قصف مواقع «داعش» في ليبيا مؤخرا.
وسط تلك التحركات والعلاقات السياسية والعسكرية، يبدو الهم الأساسي، هو التحشيد للحرب على الإرهاب انطلاقا من حرب على «داعش» لا تشمل العراق وسوريا، بل ليبيا ومصر وكل مكان تظهر فيه «داعش»، وهذا كله أحد مظاهر الحرب عبر استخدام القوة العسكرية المباشرة من خلال عمليات القصف الجوي، وهو بحاجة إلى أساليب أخرى تكمل الحرب، بينها إنهاض قوى محلية للمشاركة للوقوف ضد «داعش» مما يشكل تطورا استراتيجيا في الحرب، لأنه من المستحيل القضاء على «داعش» دون الخوض في صراع مباشر معها على الأرض ومن هذه الزاوية يمكن رؤية عملية تنظيم وتدريب قوات محلية وخاصة قوات من أكراد العراق، وتم تجهيزها بكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، وهو ما ينتظر حصوله مع استكمال عمليات تدريب وتجهيز التشكيلات المعتدلة من المعارضة السورية المسلحة.
ولا تقتصر خطوات الحرب الجارية على «داعش» على ما سبق، بل تسير معها خطوات موازية، يتابعها المجتمع الدولي، بين الأبرز فيها العمل على تجميد العوائد والتقدمات المالية عن أي طريق جاءت، وإيقاف تجنيد المقاتلين وتمريرهم إلى مناطق يسيطر عليها التنظيم، والمشاركة في متابعة وإفشال رسائله الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكما هو واضح، فإن ما يتم القيام به من خطوات الحرب على «داعش»، يمثل تطورا مهما من حيث تحشيد القوى من مستويات دولية وإقليمية ومحلية، ومن استخدام واسع للقوة، يمكن أن تكون له قوة تأثير كبيرة ومتنوعة، إضافة خطوات في الحرب غير المباشرة، التي تتصل بضرب القواعد الخلفية للتنظيم ومنها مصادره المالية وجزء من خط إمداده البشري، ومحاصرة منابره الإعلامية والدعوية والتنظيمية، التي تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي حيزا لنشاطها.
ومما لا شك فيه، أن تعدد مسارات الحرب ضد «داعش»، إنما جاء على خلفية النقد والبحث والدراسة التي تعرضت لها فكرة الحرب على الإرهاب، التي أطلقها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عبر عمليات القصف الجوي لمواقع وتحشدات وقواعد التنظيم في العراق وسوريا قبل أشهر، ثم ثبت أنها لا تكفي للقضاء على «داعش»، فجاءت خطوات تالية، لتأخذ الحرب إلى أهدافها. ورغم إيجابية تلك الخطوات وأهميتها، فإن الحرب ما زالت تعاني من غياب خطوات، لا تقل ضرورة وأهمية في حرب جدية وفعالة ضد «داعش» في إطار استكمال فرص النصر الحاسم على الإرهاب.
أولى تلك الخطوات وأهمها تكمن في توسيع الحرب على «داعش» باعتباره تنظيما إرهابيا، لتشمل كل الكيانات والجماعات الإرهابية، وتلك التي تولد الإرهاب، الأمر يفرض شمول الحرب على نظام الأسد في سوريا الموصوف بالإرهاب منذ زمن طويل وله علاقات وثيقة بجماعات الإرهاب والتطرف، وهو جزء منها على نحو ما أثبتت سيرته وممارساته في سوريا عبر الأربع سنوات الأخيرة.
الخطوة الثانية، التي يمكن أن تترك آثارها الإيجابية على الحرب على «داعش» وكل كيانات وجماعات الإرهاب والتطرف، هو معالجة المشاكل اليومية القائمة لدى سكان المناطق، التي تسيطر عليها «داعش» أو القريبة منها عبر تقديم المساعدات الطبية والغذائية، وتعزيز سبل تطبيع الحياة اليومية للناس.
والخطوة الثالثة، تتضمن القيام بحملات إعلامية – دعوية ضد الإرهاب والتطرف، والتركيز على فصل الإرهاب والتطرف عن الإسلام، والتأكيد على أن في الحياة تطرفا وإرهابا خارج الإسلام وخارج كل الديانات، والأمثلة على ذلك كثيرة في الماضي وفي الحاضر، والتركيز على أن جماعات الإرهاب والتطرف، أول من يخرق القواعد الدينية والأخلاقية في التعامل مع بقية البشر.
إن الحرب على الإرهاب قضية ضرورية، والأهم في ضروراتها أن تكون شاملة وعامة، وأن يشارك فيها أوسع طيف في المجتمع الدولي وفي المستويات المحلية، وأن تستخدم فيها كل الأسلحة الممكنة، وما لم يتحقق ذلك، فإن الحرب على الإرهاب، لن تتمكن من القضاء على تنظيم واحد مثل «داعش» وقد تستمر الحرب معه سنوات طويلة، وقد تولد من خلاله تنظيمات إرهابية ومتطرفة، تكون أشد منه وأقوى.

الشرق الأوسط _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى