أعرف أنكم لستم كتلة واحدة على المستوى العرقي، ولستم كتلة واحدة في مستواكم الطبقي والاجتماعي، ولستم كتلة واحدة في مذاهبكم وفهمكم للدين. مع ذلك، أتعسف التعميم، وأخاطبكم، ككاتب ومهاجر، أو مغترب، أو منفي، أو مقتلع مثلكم، باعتباركم كتلة واحدة.
أفعل، هنا، ما يفعله “الآخرون” الذين يضعونكم في كتلة واحدة، وفي صف واحد، متجاهلين، أو متعمّدين، طمس الفوارق بينكم، كأنكم على قلب رجل واحد، كما نقول بالعربية، أو كأنكم تصدرون من الخلفيات والتصورات والأفكار والمشاغل نفسها، كأنكم تشتغلون مسلمين.
أي كأنَّ دينكم وظيفتكم، أو هويتكم التي لا تشاطرها هوية أخرى، فيما أنتم من شعوب وخلفيات ومفاهيم ومذاهب وطبقات وألوان ولغات لا يربط بعضها بالبعض الآخر رابط. مع ذلك، أقول لكم إنكم جئتم إلى هذه البلدان لتعملوا، الرعيل الأول منكم على الأقل، أو جئتم هاربين من حروب وطغيان وفقر، وهذا حال القسم الأعظم منكم اليوم. اجتزتم براً وبحراً وسماوات كي تصلوا إلى “الجنة” الأوروبية، نجاة بأنفسكم.
كنتم تعرفون أن في هذه البلاد شعوبا وأديانا وقوانين ولغات وثقافات، مختلفة تماماً عن دينكم ولغاتكم والقوانين التي تسود بلادكم الأولى. لم تفاجأوا بأنهم مسيحيون، أو يهود، أو علمانيون، أو ملحدون، أو لا دينيون، أو وثنيون. كنتم تعرفون أن نساء هذه البلاد يتمتعن بحريات معنوية وجسدية ووظيفية، لا تثير استنكاراً أو استغراباً من أحد تقريبا. وكنتم تعرفون أنهم يشربون الخمر ويأكلون لحم الخنزير، وأن هذا لا يتعارض مع حرياتهم الشخصية في الأكل والشرب، ولا مع معتقداتهم الدينية.
كان كل همكم أن تفروا من جحيم بلدانكم (التي سيقول البعض إنها كذلك بسبب الغرب الاستعماري، وأوافق جزئياً، لكنه ليس موضوعنا)، وأن تتمتعوا بالحريات التي يوفرها الغرب لشعوبه، وهي، بالمناسبة، ثمرة تضحيات ملايين من مواطنيها بأرواحهم، ونتيجة نضال طبقات كادحة ووسطى قروناً، وليست منَّة من حاكم أو كاهن. ولكن، ما إن وطأتم هذه الأرض، حتى رحتم تنكرون على شعوبها دينهم وأكلهم وشربهم وحرية نسائهم وحقهم في أن لا يؤمنوا بإله، ولا أن يتبعوا شريعة أو كتاباً.
انعزلتم، أو عُزلتم، في ما يشبه الغيتوات والمعازل، لا تختلطون بسكان البلاد إلا في أضيق الحدود، ولم تقاوموا هذا العزل إن كان هناك، أصلاً، عزل مصمَّم. جئتم بثيابكم وتوابلكم ومعتقداتكم، وهذا حق تكفله لكم هذه البلاد، لكنكم رحتم تنكرون على سكانها ما هم عليه من حياة ومسلكيات مغايرة لكم، وتريدون أن تفرضوا عليهم، لو استطعتم، طرق عيشكم فرضاً.
لم تكتفوا أن تكونوا كذلك، بل إنكم حقنتم به أولادكم الذين نشأوا في تضاد مع قيم المجتمعات “الكافرة” التي ولدوا فيها، فصار ممكناً أن يكونوا صيداً سهلاً ووفيراً للجماعات الإرهابية التي تريد أن ترفع علمها، ليس على بغداد ودمشق فقط، بل على 10 داوننغ ستريت، كما قال أحد شيوخها، كان يخطب في أحد جوامع لندن.
سيقول بعضكم إن هجرة أولادنا إلى حروب الإرهاب نتيجة لما لاقوه من عنصرية في بعض المجتمعات الغربية، وما تقوم به حكومات الغرب من حروب في بلاد “المسلمين”، ولا حول لنا ولا قوة في ذلك، فمن يرغب في أن يموت أولاده، أو يجرحوا أو يسجنوا، نحن لم نربّهم ليلاقوا هذا المصير. ولكن كلا، أنتم فعلتم ذلك بأيديكم. ما زرعتموه من تصورات ضيقة، وعلى الأرجح، مغلوطة عن الدين، وعلاقة البشر ببعضهم التي لا تنشأ على أساس الإيمان والكفر (من وجهة نظركم)، ولكن على أساس المشترك الإنساني، هي التي أدت إلى هذه النتيجة. هذه كلمات قاسية. صحيح، لكنَّ الحقيقة قاسية أحياناً، بل غير مقبولة.
كاتب هذه الرسالة لا يملك الحقيقة، ولا يحق له وعظ أحد. لكن، من حقه أن يلاحظ، وهذا ما رآه، باعتباره واحداً منكم.
العربي الجديد _ وطن اف ام