مقالات

نجاة شرف الدين : نيران صديقة متبادلة.. أميركية إسرائيلية

تراجعت حدة الضجيج الذي أحدثته زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن وإلقاؤه خطاباً في الكونغرس قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، وذلك بعدما قدم نتنياهو عرضه المسرحي، وهو التوصيف الذي أطلقه أعضاء عديدون في الكونغرس من الديمقراطيين، ولا سيما المقاطعين الذين رأوا في تحدي الرئيس باراك أوباما، والإصرار على الحضور وإلقاء الخطاب، على الرغم من رفض الرئيس شكل الدعوة، من دون التنسيق مع البيت الأبيض، كما قبل الانتخابات.

وقد حاول نتنياهو إملاء ما يجب أن يقوم به الرئيس الأميركي في سياسته الخارجية المنصوص في الدستور أنه المسؤول عنها. نتنياهو الذي كان حريصاً على شكر أوباما على دعمه دولة إسرائيل وتقديراته غير المسبوقة، المعلن عنها وغير المعلن، أطلق، في الوقت نفسه، نيرانه على المفاوضات مع إيران، ووصف ما يحصل بأنه اتفاق سيئ، محذراً من خطر التوصل إلى سلاح نووي، ومحذراً، في الوقت نفسه، من تمدد إيران وخطورتها على جيرانه، بوضع يدها على أربع عواصم كما قال، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لم يقدم نتنياهو البدائل عن الخيار الدبلوماسي، واكتفى بطلب وقف التفاوض، وعدم توقيع الاتفاق، قائلاً إنه لصالح إيران أكثر من الولايات المتحدة، ودعا إلى مزيد من العقوبات، من أجل الضغط على إيران لتتراجع، وعندها نحصل على تنازلات لا تقدمها اليوم، في إشارة إلى أن البنى التحتية النووية التي لا تزال قائمة، ولم يتم تدميرها في الاتفاق، كما قال.
اللافت في التصعيد من نتنياهو الرد الذي لم يتأخر لأوباما الذي قال إنه لم يسمع الخطاب بسبب انشغالاته، لكنه قرأ الخطاب، معتبراً أن نتنياهو لم يقدم جديداً، وكرر الموقف حول عدم حصول إيران على السلاح النووي، وأوضح الرئيس الأميركي أن الاتفاق لم يعلن بعد، فكيف الحكم عليه قبل ذلك، وطرح مسألة عدم تقديم بدائل لذلك، بما فيها الحرب. انقسم الجمهوريون والديمقراطيون حول الخطاب، وتصاعدت حدة السجال السياسي في أحقية نتنياهو بالتوجه إلى الرئيس الأميركي والأميركيين في محاضرة حول ما يجب فعله وما لا يجب، في مقابل من عبّر عن سعادته من وجوده وتوضيح حقيقة الموقف في إيران، فيما رأى مراقبون أن ما يجري غير مسبوق في العلاقة الإسرائيلية الأميركية، ولو أنه حصلت في الماضي تباينات في المواقف، فلم تصل إلى هذا الحد. حققت زيارة نتنياهو، بالنسبة له، هدفها غير المعلن انتخابياً، في حضوره وتقديم نفسه المنقذ لدولة إسرائيل، خصوصاً أنه حاول التحدث باسم اليهود، ومرر في خطابه أن إسرائيل الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، وصولاً إلى تقديم نفسه تشرشل العصر. أما صاحب الدعوة، رئيس مجلس النواب الأميركي، جون بينير، فحقق أيضاً هدفه بالضغط على أوباما، في لحظة مهمة من التفاوض مع إيران، بعد أن كان أوباما قد رفض أي عقوبات جديدة من الكونغرس، مهدداً باستخدام الفيتو. أما الرئيس الأميركي الذي لم يترك فرصة للتعبير عن رفضه واستيائه من الزيارة، فأكمل مشروعه التفاوضي، وكان وزير خارجيته، جون كيري، مجتمعاً مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في جنيف، في أثناء خطاب نتنياهو، ما يشكل رداً غير مباشر على الكلام “الذي لا يوجد فيه فكرة جديدة”، كما قال أوباما. لا شك أن المشهد المسرحي الذي علا فيه التصفيق عشرات المرات وقوفاً لنتنياهو، في مجلس النواب الأميركي، قد استفز أوباما، كما غيره من الأميركيين، إلا أن ما حصل، إذا لم يستكمل بخطوات تستطيع أن تمنع أو توقف الاتفاق مع إيران، تكون الزيارة لا تعدو كونها زوبعة في فنجان الكونغرس، وتكون النيران الأميركية الصديقة قد استطاعت الرد على مصادر النيران الإسرائيلية التي لم تحمل “أي جديد”، كما قال أوباما. 

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى