مقالات

ميشيل كيلو : تموز.. شهر الخيارات

تقترب منطقتنا من تموز، الشهر الذي قالت واشنطن وطهران إنه سيكون آخر موعد للتفاوض حول تسوية ملف إيران النووي، فإن جاءت النتيجة مرضية للبيت الأبيض، دخلت علاقات الدولتين إلى حقبة من الانفراج والتفاهم المتبادل، انعكست بصور إيجابية على مواقع إيران العربية عموما، والسورية خصوصاً، وسلبية على ثورة السوريين وقضيتهم.

أما إذا لم يتم بلوغ تسوية مقبولة أميركيا للملف، فمن المرجح أن تتم تسوية انعكاسات الفشل السلبية في الساحة السورية، مكاناً تتكثف فيه نقاط ضعف إيران، فإن قررت أميركا معاقبتها وإجبارها على وقف برنامجها النووي، كان من المحتم أن تسعى إلى استهدافها في موقعها السوري المميز، شديد الأهمية والحساسية، بالنسبة لمجمل انخراطها التوسعي/ الإمبراطوري في منطقتنا، حيث تبذل جهوداً جبارة لإقامة توازن مضمون ودائم مع سياسات ومصالح إقليمية ودولية مناوئة لها، تعمل بدورها لاستنزافها سورياً، وفي المحصلة، لإضعاف نظامها واقتناصها استراتيجيا في إيران ذاتها.

إذا صدق الأميركيون، وهم نادراً ما يصدقون، سيكون هناك بعد تموز نمط مختلف من العلاقات الأميركية/ الإيرانية، سواء تم أم لم يتم بلوغ تسويةٍ يريدها الطرفان تحولية، سيتقرر بنتائجها نوع الشرق الأوسط الذي ستتم إقامته، فإن قبلت أميركا دوراً إيرانياً جديداً في البلدان العربية في مقابل تخليها عن برنامجها النووي، كان على الثورة الاستعداد منذ اليوم، وبأقصى قدر من الوحدة والتصميم والجدية والسرعة، لملاقاة النتائج السلبية والتحديات القاسية التي ستترتب على تسليم واشنطن بوجود إيراني استراتيجي ومقبول في بلادنا، لا يستبعد إطلاقا أن يسهم في ضبط المنطقة لصالح دور أميركي يريد التحكم بها عن بعد، من دون انخراط مباشر في قضاياها الشائكة.

أما إذا تعثر تفاهم الدولتين، فسيكون على الثورة السورية العمل على الإفادة من خلافهما، لما لذلك من أهمية بالنسبة إلى تحقيقٍ، كلي أو جزئي، لبعض أهدافها، قبل أن يعودا إلى طاولة التفاوض من جديد.

من المرجح أن يكون شهر تموز موعداً حاسماً بالنسبة إلى موقف أميركا من دور إيران العربي. ومع أن أوباما قد يعطي التفاوض فرصة أخرى، فإن ما يوليه من اهتمام استثنائي لعلاقاته مع إيران يجعله يرى في نجاح مفاوضاته معها إنجازه التاريخي الأكبر، فإن نجح فعلاً، لن يكون هناك مشكلة كبيرة بالنسبة إليه، إذا ما عززت شريكته الجديدة مواقعها في بلادنا.

في هذه الحال، لن يبقى عندنا أي خيار غير المبادرة إلى استباق هذا التطور الخطير، بإصلاح وضعنا الذاتي، وترقيته إلى مستوى يمكننا من الصمود بنجاح أمام الوقائع الصعبة التي سنواجهها. بينما سيقدم لنا فشل التفاوض وتصاعد خلاف الطرفين فرصةً، يجب أن نعد أنفسنا للإفادة منها، لما يمكن أن يترتب عليها من تطور في المواقف الدولية عامة، والأميركية خصوصاً. وفي جميع الأحوال، إن ترتيب أوضاعنا الذاتية يمكّننا من تحسين المعادلات بيننا وبين النظام لصالحنا، وإخراج أنفسنا من مآزق وقعنا فيها، ونفتقر إلى القدرة على مبارحتها في أوضاعنا الذاتية، المليئة بالنواقص والعيوب.

ينتظرنا بين اليوم وتموز المقبل رهان كبير على الوقت، وآخر أكبر على عملنا، فإذا أخفقنا، كعادتنا، في تنظيم قدراتنا لرد الخطر واستثمار الفرصة، كان إخفاقنا آخر غلطة نقترفها، قبل أن نخرج تماماً من صراع نكاد نكون، اليوم، خارجه، يستوي في ذلك إن نجحت مفاوضات الغرب مع إيران أو أخفقت. … والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، كما قال شكسبير.

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى