مقالات

خطيب بدلة : أحبُّ دي ميستورا ورفعت الأسد

أقول الصدق: أكثر شخص أحببتُه خلال السنوات الأربع الماضيات هو السيد ستيفان دي ميستورا، المبعوثُ الأممي إلى سورية. حبي له لا ينطبق عليه القول إن الحب من عند الله؛ فهذه تُقال حينما يتورط فتى ما بحب فتاة ليست جميلة، أو ذات طباع سيئة، ويُسأل عن السبب، فلا يُحري جواباً مُقْنِعاً فيقول: الحب من عند الله.

وأما أسباب حبي دي ميستورا فتتلخص في أني رأيتُه رجلاً ظريفاً، فكهاً، خفيفَ الظل. ومن فصوله الظريفة، الأقرب إلى “الإمتاع والمؤانسة”، أنه دعا إلى إشراك المعارض السوري الديمقراطي العَلْماني، الدكتور رفعت الأسد، في الحل السلمي الذي يقترحه للقضية السورية.

حصل ذلك في ندوة عُقدت، قبل عشرة أيام في لندن، بضيافة المعهد الملكي للشؤون الدولية. وقتها حكت إحدى الحاضرات لدي ميستورا عن جَدتها الحلبية التي شاهدتْ، بالعين المجردة، زوجَها وأطفالها وأفرادَ أسرتها الآخرين تقتلهم، أمام عينيها، قوات رفعت الأسد، فقال لها دي ميستورا: شكراً لهذا التوضيح! وقد قلتُ من قبل إن المبدأ أن أي حل في سورية يجب أن يكون شاملاً.

حينما قرأتُ هذا الخبر، تدفقت في شرايين قلبي دماءُ الفرح ذات اللون الأحمر القاني، ووَددتُ لو تسمح لي بريطانيا العجوز بأن أقفز إلى أراضيها، على أقرب طائرة نفاثة، وأذهب إلى السيد دي ميستورا، وأتطاول على رؤوس أصابعي، حتى أصل إلى جبينه، فأقبّله على كل ما ورد في الندوة، بدءاً من إطلاقه صفة (الشامل) على الحل (الجزئي) الذي يقترحه، ووصولاً إلى قوله: شكراً لهذا التوضيح.

فهذه، الأخيرة، عبارة رشيقة، وخفيفة الظل إلى أبعد الحدود، مؤداها أنه، بعد 43 سنة خدمة في الأمم المتحدة، لا يعرف أن الدكتور رفعت الأسد كان يقتل السوريين، ولولا هذا التوضيح لربما مات، وطواه التراب، من دون أن يعرف ذلك.

ولأن السيد دي ميستورا يشكر الناس على التوضيحات التي ترده، فأنا، محسوب الطيبين أمثاله، سأوضح له أن الأجهزة الأمنية التي أسسها الجنرال حافظ الأسد، في بداية عهده، كانت تأخذ الرجال من بيوتهم، تحت ستر الليل البهيم، إلى المعتقلات، وهنالك يذيقونهم مر العذاب، سراً، وعلى السكيت! وأن شقيقه رفعت الأسد أول مَنْ ابتدع زي العدوان على المواطنين السوريين جهاراً في وضح النهار؛ من خلال تشكيلته العسكرية الأمنية التي عرفت، يومذاك، باسم سرايا الدفاع.

ومَنْ كان يمشي في شوارع المدن الكبرى لا يعدم منظرَ مواطنٍ سوري ملقى على الأرض، كخرقة بالية وبضعة عساكر مُطَعَّمين على بغال شَموسة، يعجقونه تحت أرجلهم، أو يلكزونه في صدغيه مع السباب على محارمه، حتى شاعت، في تلك الأيام، نكتةٌ تقول إن عنصراً من سرايا الدفاع زجرَ مواطناً سورياً، وقال له: انزل عن الرصيف يا حمار. فشخط به المواطن، وأظهر له العين الحمراء، وقال له: لا تقل “رصيف”.

الدكتور رفعت الأسد، في الحقيقة، لا يقل طرافة وظرفاً عن السيد دي ميستورا، فهو أول شخص، في سورية وفي العالم، يحصل على شهادة الدكتوراه وهو جالس في فيء شجرة الزيتون المباركة التي قال بحقها الشاعر أبياتاً جميلة.

وهو أول شخص سُجلت باسمه سابقة إخراج الطاقم الإداري والأمني من سجن تدمر، وتَرْك السجناء السياسيين وحدهم في السجن، ثم قصفهم بواسطة الطيران الحربي! وقد جرت معه، أخيراً، بعد أن ضعفت ذاكرته، طرفة قريبة جداً في تركيبتها من طرفة الرصيف والحمار. تقول إن صحافياً من هواة الإثارة ذهب إلى الدكتور رفعت، في متنزهه الخاص على الأرض الفرنسية، وسأله عن أحداث حماه 1982، وكيف أن سراياه أزالت بضع حارات عن وجه الأرض، بعد قتل كل من فيها.
ضحك سيادة الدكتور رفعت، وقال: حماه؟ أنا لا أعرف حماه. أين تقع حماه هذه؟

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى