مقالات

ماجد كيالي : أربعة أعوام على ثورة السوريين

منذ البداية تم توصيف الثورة السورية بالثورة المستحيلة واليتيمة والمدهشة، وأنها الأكثر تعقيدا وكلفة، بين مجمل ثورات “الربيع العربي”، فوق ذلك عرفت بأنها بمثابة ثورة مفتاحية، أي أنها وحدها يمكن أن تفتح مسار التغيير السياسي والديمقراطي في المشرق العربي، ما يفسّر، تالياً، حجم التدخلات الخارجية المتباينة فيها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

أربعة أعوام مرت عانى فيها السوريون عذابات لم تكن تخطر على بال، وشهدوا فيها الأهوال، مع مئات ألوف الضحايا من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين، وفوق ذلك ملايين المشردين والنازحين.

المعنى من ذلك أن كل ما جرى في سوريا يؤكد أن ثورة السوريين، فوق كل ما تقدم، هي الأكثر استحقاقاً وشرعية بين مختلف الثورات العربية، فنحن لسنا إزاء نظام تأسس على الاستبداد والفساد، وتحويل البلد إلى مزرعة خاصة، وإنما نحن إزاء نظام أثبت أنه لا يمت بصلة لشعبه، وكأنه بمثابة أكثر من سلطة احتلال، وإزاء نظام فتح البلد على مصراعيه أمام النفوذ الإيراني، والميليشيات المسلحة المحسوبة عليه.

واضح أن هذه الثورة لم تنجح، وأنها بعد أربعة أعوام من التضحيات والبطولات لم تستطع أن تفرض سيطرتها أو وجودها، حتى في المناطق التي باتت خارجة عن سيطرة النظام، وأن قوى الثورة والمعارضة، سواء السياسية أو العسكرية أو المدنية، لم تستطع أن تؤكد ذاتها، إزاء السوريين وإزاء العالم، بسبب الصعوبات والتعقيدات والتدخلات الخارجية، وأيضا بسبب قصور تكوينها من الناحية التاريخية والتأسيسية.

بيْدَ أن النظام، في المقابل، لم يعد كما هو عليه، أيضا، إذ انكشف أمام السوريين، وعلى الصعيدين العربي والدولي، وبات يعيش في عزلة، لا تخفف منها سوى علاقته الوظيفية بكل من إيران وروسيا، والأهم أنه لم يعد يسيطر على مجريات الأمور في سوريا، ليس بسبب خروج مناطق واسعة من سيطرته، وانكشافه أمام شعبه، وإنما أيضا، بسبب تحول سوريا إلى ساحة لتجاذبات القوى الإقليمية والدولية الخارجية، وبسبب ارتهانه لمصالح السياسة الإيرانية.

في المشهد السوري، بعد أربعة أعوام من الصراع، بتنا إزاء واقع مختلف من أهم سماته، أولا خروج السوريين من معادلة الصراع الجاري، بتشريدهم وتحولهم إلى كتل من اللاجئين، نتيجة لانتهاج النظام سياسة الأرض المحروقة، وتعمده تدمير البيئات التي يعتبرها حاضنة شعبية للثورة، بالقصف المدفعي والجوي وبالبراميل، مع قيامه بمحاصرة هذه المناطق وحرمانها من المواد الأساسية.

ثانيا، انتشار الجماعات المسلحة غير المرتبطة بالأجندة الوطنية للسوريين، ونقصد الجماعات الميليشياوية الطائفية، كحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق وكتائب أبو الفضل العباس، كما ثمة حديث عن مثيلاتها من اليمن وأفغانستان، إلى جانب الجماعات المسلحة المحسوبة على القاعدة، كجبهة النصرة، أو التي تشتغل لحسابها كـ”داعش”.

ثالثا، بعد أربعة أعوام لا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى إمكانية حسم أي من الطرفين المتصارعين الصراع لصالحه، لا النظام ولا الثورة السورية، بل ثمة في الأوضاع العربية والإقليمية والدولية ما يؤشر إلى عدم السماح بذلك.

هذا يعني شيئين متفارقين، أولهما أن الصراع في سوريا وعليها يمكن أن يمتد لسنوات قادمة طالما لم يتم التوافق الدولي والإقليمي على الخارطة السياسية لسوريا القادمة. وثانيهما أن تقرير الأوضاع في سوريا لم يعد بيد النظام ولا بيد المعارضة، وإنما بيد القوى الدولية والإقليمية.

ثمة أمر واحد يمكن أن يكسر هذه المعادلة، وهو فتح مسار يمكّن السوريين من امتلاك زمام قضيتهم، وهذا لن يحصل إلا بتوفر طبقة سياسية سورية واعية وقادرة على أخذ قضيتها نحو توافقات وطنية، تفتح المجال أمام التغيير السياسي في سوريا، التي تتأسس على الديمقراطية، وعلى قاعدة دولة مواطنين متساويين وأحرار.

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى