التقط نظام دمشق تصريحات المسؤولين الكبار للخارجية والأمن الأميركيين، بشأن الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، والحوار مع نظام الأسد، وقام على الفور باستخدام الغازات السامة، في قصف المناطق المدنية في سرمين وكفر تخاريم، بما يعزز مكانة القوة التي يتمتع بها كطرف رئيس في أي عملية تفاوضية، يسعى المجتمع الدولي إلى إطلاقها لاحقا، استنادا إلى حقيقة التعاون الخفي في الحرب على الإرهاب، وفي تحد للمجتمع الدولي، خاصة قرار مجلس الأمن المتصل بمنع استخدام السلاح الكيمياوي ضد المدنيين، الصادر مؤخرا.
يتجه نظام الأسد، بمعونة داعميه وشركائه، لتصعيد استخدامه لوسائل القتل المحرمة دوليا، والاستمرار في ثنائية ارتكاب المجازر، مع انخراطه في البحث عن حل سياسي، لدفع القوى الدولية للتعامل معه كطرف لا يمكن الاستغناء عنه.
من هنا يسارع إلى اغتنام كل الفرص الممكنة، ومع إحراز طهران تقدما في المنطقة عبر نتائج على الأرض، مترافقة مع تصريحات يوزعها المسؤولون الإيرانيون عن دور إمبراطوري في المنطقة، أصبح النظام السوري قادرا على مزيد من التحرك العسكري والأمني، وعلى تحقيق اختراقات إعلامية، في ظل حصار سياسي محدود، بدأ يتآكل مع الزيارات والتصريحات الغربية، التي تتيح لدمشق للعودة إلى الساحة الدولية. لم يكتف الأسد بارتكاب مجزرة سرمين الكيمياوية، بل تجرأ على السخرية من تصريحات كيري، حين طالبه بالأفعال بشأن الحوار مع دمشق، وفقا لشروط تلزم الغرب بوقف دعمه للمعارضة.
عاملان أساسيان هما فشل التحالف الدولي في تحقيق أي من أهدافه حتى الآن في كل من سوريا والعراق، إضافة إلى اقتراب جولة المفاوضات بشأن النووي الإيراني، تجعل من البيت الأبيض أكثر اقترابا من طهران، التي عززت وجودا عسكريا في الجولان المحتل. ويبدو أن الإستراتيجية الأميركية في طريقها إلى الذهاب أبعد في تطبيع العلاقات مع إيران وفقا لتفاهمات تشمل الوضع في سوريا واليمن، خاصة بعد تراجع أدوار القوى الإقليمية في المنطقة عن مواجهة التحديات، وعدم قدرتها على إطلاق تفاهمات إستراتيجية للتعاون فيما بينها.
تصريحات كيري وبرينان، لا يمكن النظر إليها بعيدا عن ذكرى انطلاقة الثورة السورية، وهذا بصورة ما، كما قالت واشنطن، في مواجهة العاصفة التي أثارتها تصريحات كيري، بأن سياستها تجاه الأسد ثابتة. ليست ثمة مواربة، فالموقف الأميركي يقوم على مبدأي التسوية السياسية وأولوية محاربة الإرهاب. وهو أيضا اتباع سياسات لا تطيح بالأسد، ولكنها لا تقدم دعما للمعارضة السورية، التي تتلقى وعودا من سراب.
يبدو الموقف الدولي موحدا تجاه خيار التسوية السياسة للوضع في سوريا، غير أنه غير متماسك بشأن إستراتيجيات التوصل إلى ذلك، خاصة في ما يتصل بالتفاوض ومصير الأسد ودوره. ففيما تتحدث واشنطن عن داعش باعتبارها “عدوا مشتركا” يستوجب التعاون بين كل الأطراف المعنية بما فيها الأسد، ترى لندن وباريس، ألا دور للأسد في المستقبل السوري.
مة حالة من الفوضى لدى الأطراف الدولية، بين ما تراه ضرورة في العمل السياسي والدبلوماسي، وبين احترام مبادئ الحقوق والحريات وجرائم الحرب، خاصة ما يتصل بالتعامل مع أشد الأنظمة ارتكابا لجرائم الإبادة الجماعية: نظام الأسد.
ثنائية الموقف في التعاطي الأوروبي- الأميركي مع الأسد، يبدو مدفوعا بقوة الموقف الإيراني الذي يتطور دوره في سوريا، عبر أربع سنوات من مساند لسلطة الأسد في مواجهة “المؤامرة”، إلى نقل الخبرة وإدارة المؤسسات الأمنية والعسكرية، والانخراط في شراكة دموية مع النظام، لمواجهة الثورة وصولا إلى احتلال إيراني مباشر، يقود عمليات عسكرية واسعة ضد السوريين، ما يعني أن تصريحات مستشار روحاني بشأن الإمبراطورية الإيرانية الجديدة قيد التشكل، بأدوات وقوى إيرانية في المنطقة.
لعبت إيران دورا محوريا في مواجهة الثورة السورية منذ انطلاقتها، عبر الدعم الذي قدمته لنظام الأسد، بما مكنه من المضي في خيار المعالجة الأمنية لبدايات المطالب الجماهيرية بالتغيير في سوريا، قبل أن يصبح إسقاط النظام مطلبا شعبيا.
قدمت إيران دعما لتسليح المدنيين الموالين للنظام “طائفيا وعشائريا” بالسلاح الفردي، قبل أن تدخل الثورة مرحلة “الأسْلَمَة والأسْلَحَة”. وأشرفت على إدارة المعتقلات وعمليات القتل والتعذيب. وكان ذلك مرحلة جديدة في وضع اليد على الدولة، التي بدأت فعليا بعد وراثة بشار الأسد السلطة بضمانة إيرانية.
لذلك تبدو المهمة أمام الجميع صعبة. العقبة الإيرانية في المنطقة، تجبر كل القوى الإقليمية والدولية على التوقف عندها. والواقع أن دور داعش سوف يبدأ بالتضاؤل فقط، عندما يعاد بناء الإستراتيجيات الدولية في المنطقة، وفق احتساب قيمة الدور الإيراني وقدرته على نشر الحرائق، خدمة لأطماعه التي تنبعث من جديد ملوثة بدماء عشرات الآلاف من الضحايا في المنطقة.
العرب اللندنية _ وطن اف ام