مقالات

ماجد كيالي : مخيم اليرموك يكشف اضطراب القيادة الفلسطينية

لم يتوقف قصف النظام لمخيم اليرموك بالبراميل المتفجرة، والذي شمل مشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، حتى أثناء زيارة أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى دمشق، ولقائه مسؤولين سوريين.

فوق ذلك فإن النظام لم يسمح بفتح ممر آمن يمكّن المدنيين الفلسطينيين، لا سيما من الأطفال والنساء والشيوخ من مغادرة المخيم، حماية لهم من هجمات “داعش”، علما أن هؤلاء يعانون الأمرّين جراء حصار مشدد دام 25 شهرا، لقي خلاله أكثر من 170 من الفلسطينيين حتفهم بسبب الجوع والمرض والإرهاق
معلوم أن الملف الفلسطيني في سوريا لا يختصر في حصار مخيم اليرموك، ذلك أن الأمر يشمل المخيمات الأخرى، كما يشمل قصف النظام لها بدعوى أنها مناطق حاضنة للجماعات المسلحة. أيضا يشمل هذا الملف مئات المعتقلين الفلسطينيين حوالي (900) في سجون النظام، وتعرض 300 من المعتقلين للموت تحت التعذيب، إضافة إلى تشرد عشرات ألوف الفلسطينيين من المخيمات، علما أن النظام لا يسمح بعودة اللاجئين إلى مخيماتهم التي باتت تحت سيطرته، مثل مخيمات سبينة والست زينب والحسينية، ما يعني أن الحديث عمّا يسمى “تحرير” مخيم اليرموك، لا علاقة له بتمكين الفلسطينيين الذين تشردوا منه من العودة إليه.

اللافت في نقاش هذه القضية الواضحة اضطراب مواقف القيادة الفلسطينية، فهي كانت في فترات سابقة ادعّت “النأي بالنفس″ عمّا يجري في سوريا، بل إنها قامت بإلقاء اللوم على الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وأمينها العام أحمد جبريل لتسببهم بتوريط الفلسطينيين بالصراع السوري، بحكم انحيازهم للنظام، وطلبهم إنشاء لجان مسلحة في المخيمات. لكن مواقف قيادة المنظمة لم تثبت عند ذلك إذ باتت في أوقات أخرى تبدو كمن يعوّل على إنشاء علاقات مع النظام، مستفيدة من تراجع زخم الثورة السورية، عربيا ودوليا.

على أيّ حال فما يهمنا هنا ليس موقف القيادة الفلسطينية من ثورة السوريين وإنما موقفها بالذات من مأساة الفلسطينيين السوريين، الذي لم يدلل على تعاطفها مع معاناتهم وعذاباتهم، إلى الدرجة المناسبة، وما يوحي بانقطاعها عنهم، وتحولها إلى مجرد سلطة في الضفة الغربية، وحتى تطويحها بمكانتها الاعتبارية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

هكذا، فبعد هجمة داعش والنصرة على مخيم اليرموك ظهر موقف القيادة الفلسطينية غاية في الانكشاف، ذلك أن السكوت عن حصار مخيم اليرموك، لأكثر من عامين، وعن جرائم النظام المتمثلة بالقصف والقنص والتدمير، وسياسة الاعتقال والموت تحت التعذيب، شمل تبنى رواية النظام بشأن وجود جماعات تكفيرية وإرهابية في المخيم، الأمر الذي فندته وقائع الأيام الأخيرة، لا سيما بهجوم جماعات داعش والنصرة على المخيم.

الأنكى أن المنظمة وبدلا من أن تعتذر من أهالي المخيم ومن الفلسطينيين السوريين عموما، على موقفها سالف الذكر، إذ ببعض المحسوبين عليها يطالبون بـ”تحرير” المخيم، معلنين انحيازهم السافر إلى جانب النظام بدل مطالبته بوقف القصف الأعمى وفتح ممر آمن للمدنيين والإفراج عن المعتقلين الأبرياء.

في هذا الإطار برزت تصريحات أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي نمّت عن خفّة وسذاجة بالغتين، إذ أنه دعا للتعاون بين السلطة الفلسطينية والنظام السوري لإيجاد حل أمني لمشكلة مخيم اليرموك، متناسيا أن حصار المخيم بدأ قبل ظهور النصرة وداعش، وأن النظام يقصف المخيم بشكل عشوائي، ويعتقل في سجونه مئات الفلسطينيين، وأنه لم يسمح بفتح ممر آمن.

اللافت أن هذا التصريح المشين لم يمر على قيادة منظمة التحرير التي أصدرت بيانا عبّرت فيه بطريقة غير مباشرة عن رفضها لتصريحات مجدلاني، مؤكدة “موقفها الدائم برفض زجّ شعبنا ومخيماته في أتون الصراع الدائر في سوريا الشقيقة، وأنها ترفض تماماً أن تكون طرفاً في صراع مسلح على أرض مخيم اليرموك، بحجة إنقاذ المخيم الجريح.. وأن منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الذي تحرص فيه على علاقاتها مع كل الأطراف، تؤكد رفضها الانجرار إلى أيّ عمل عسكري، مهما كان نوعه أو غطاؤه، وتدعو إلى اللجوء إلى وسائل أُخرى حقناً لدماء شعبنا، ومنعاً للمزيد من الخراب والتهجير لأبناء مخيم اليرموك”. (“وفا”).

والحقيقة فإن مجدلاني، الذي يقال إنه مكلف بمتابعة وضع مخيمات سوريا، دأب باستمرار على إصدار تصريحات تنم عن انعدام صلة بالواقع وبمعاناة شعبه، وكان يبيع مواقف مجانية للنظام دون أن يأخذ أيّ شيء منه، إلى درجة أن النظام لم يقدم له أيّ احترام أو اعتبار، فهو لم يفرج عن معتقل واحد من مئات المعتقلين الفلسطينيين في سجونه، بل إن مواقف هذا الرجل لم تفض إلا إلى إظهار القيادة الفلسطينية كقيادة بلا كرامة ولا تحترم شعبها.

والحال فإن المطلوب من القيادة الفلسطينية ليس التنصل من تصريحات مجدلاني التي تتنكر لعذابات الفلسطينيين السوريين ومعاناتهم، وإنما المطلوب أيضا تجريده من مناصبه ومحاسبته على ما صدر عنه من مواقف خرقاء.

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى