ثمة أسئلة كثيرة عن الأسباب التي دفعت روسيا إلى عقد «موسكو 2»، بعد فشل «موسكو 1» فشلاً ذريعاً. يتضاعف هذا السؤال مع الفشل الذريع الذي مُني به اجتماع موسكو الأخير، الذي تحوّل إلى شكل من أشكال الكوميديا السياسية المحزنة، لأنه استخفّ بطموحات السوريين السياسية المشروعة حين تم استبعاد أساس الأزمة السورية المتمثّلة بالبعد السياسي من جلسات الحوار، والاكتفاء بالحوار حول مكافحة الإرهاب والأوضاع الإنسانية والمصالحات الوطنية.
في تقديري، هنا مكمن الخطورة في «موسكو 2»، فإذا كان «جنيف 2» قد فشل بسبب سقفه السياسي الذي لم يكن يتناسب مع وقائع الصراع، وإذا كان اجتماع القاهرة في كانون الثاني (يناير) الماضي قد فشل أيضاً بسبب سقفه العالي المتمثّل في توحيد المعارضة السورية، فإن اجتماع موسكو الأخير يبدو الأقرب إلى النجاح بسبب سقوفه المتواضعة، حيث يدرك صناع القرار في الكرملين أن متطلبات الحل السياسي غير متوافرة الآن، لا بواقعها السوري ولا باصطفافاتها الإقليمية ولا بشروطها الدولية، وهذا ما يفسّر الأسباب التي دفعت الروس إلى استبعاد مناقشة الحل السياسي، والاكتفاء بالإشارة إلى بيان جنيف فقط كأساس للحلّ.
لا يعني ذلك أن التفاهمات التي تمت حول محاربة الإرهاب والأوضاع الإنسانية، ستجد طريقها إلى التحقّق، فهذا خارج ما تفكّر فيه روسيا، فضلاً عن استحالة تحقّقه، وإنما المقصود وهذا هو الهدف الحقيقي لاجتماعات موسكو، إعادة صياغة مجمل العملية التفاوضية بين النظام السوري والمعارضة وفق خطوتين استراتيجيتين:
الأولى: إعادة تحديد موضوعات التفاوض بين النظام والمعارضة في أية مفاوضات مستقبلية، فلم يعد بالإمكان إعطاء الأولوية للشقّ السياسي في ظل ما تشهده البلاد، وأية محاولة لتغليب السياسي ستبدو ترفاً تفاوضياً لا يستقيم مع الواقع السوري، ولهذا السبب طالب البند الثاني من البنود العشرة التي تم التوافق عليها في «موسكو 2، المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الجدية والفورية على كل الأطراف لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، ووقف كل الأعمال الداعمة للإرهاب، من تسهيل مرور الإرهابيين إلى الداخل السوري وتدريبهم وإيوائهم وتمويلهم وتسليحهم.
الثانية: إعادة رسم جديد للمعارضة، وكسر عملية احتكار الائتلاف لتمثيل المعارضة، من خلال إدخال قوى وحركات موالية للنظام في جسد المعارضة، ولما كانت هذه القوى لا تملك أي وزن فعلي على الأرض، فقد كان من الضروري الإيحاء بوجود قوى سياسية كثيرة يجب أن يؤخذ رأيها في أية مفاوضات مقبلة (الجبهة للتغيير والتحرير، هيئة العمل الوطني، الجبهة السورية، حركة التجمّع العددي، حزب الشباب السوري، المؤتمر الوطني السوري، فضلاً عن شخصيات ممثِّلة للمجتمع المدني والعشائر).
ومهمة هذه القوى، دعم وجهة نظر النظام أمام المحافل الدولية، بحيث تكون الأولوية لمكافحة الإرهاب والمصالحات الداخلية، والمفارقة أن هذا الخطّ وجد تأييداً قوياً لدى هيئة التنسيق الوطنية، التي رفضت على لسان منسّقها العام حسن عبد العظيم، مناقشة العملية السياسية وبيان «جنيف 1» خلال الاجتماع، في خطوة تدعو الى الاستهجان ولا يمكن تفسيرها.
الحياة _ وطن اف ام