مقالات

ميشيل كيلو : مواقف واجبة

تتحرك الأحداث السورية بسرعة في جنوب سورية وشمالها، وينتظر أن يقع المزيد من تقهقر النظام في الفترة المقبلة، مع احتمال أن يصير تقهقره مفصلياً بالنسبة إلى الصراع في التطورات المقبلة مع السلطة الأسدية وداعميها، إذا ما أحسنا قراءة ما يجري، وأكملنا ما علينا إنجازه من تحولات جدية في مؤسساتنا وبرامجنا، ونجحنا في تحقيق ما هو ضروري لانتصارنا من إجماع وطني حول مواقف موحدة، تقنع العالم بأننا لسنا ذاهبين إلى حكم داعشي، من أي نوع كان.

وقد سبقنا المقاتلون إلى ما كان علينا فعله، كائتلاف وجهات معارضة، فأصدروا في الجبهة الجنوبية موقفاً يحدد، بقدر غير مسبوق من الوضوح، مستقبل الحكم في سورية الحرة، ويؤكد أنه سيكون مدنياً وديمقراطياً، ويعلن قرارهم بمقاطعة جبهة النصرة، إلى أن تعلن تخليها عن علاقاتها مع القاعدة، وتحولها إلى تنظيم محض سوري، ملتزم بأهداف وسياسات سورية، من دون غيرها، فكان لخطوتيه هاتين وقع طيب، أثار الاطمئنان في النفوس، وزاد من إيجابيته أنه جاء، عقب سلسلة انتصارات مهمة، أكدت انهيار حملة قاسم سليماني، ومرتزقته اللبنانيين والعراقيين والأفغان، ضد الجيش الحر في جنوب سورية، وفشله في إحداث التحول الموعود في موازين القوى لصالح النظام. وبالتالي، في دفع خطر الثورة عنه، كما أكدت تمسك السوريين بالأهداف التي أعلنوها عند بدء ثورتهم، وبأن الحرية رهانهم ومقصدهم، والدولة الديمقراطية غايتهم، وأن لديهم ما يكفي من قوة للدفاع عنها، ضد أي تحدٍّ يوجه إليها: من الداخل أو الخارج، بما في ذلك خطر الأصولية. في هذا السياق، أصدر الجيش الحر في الجنوب وثيقة تفصيلية حول مدنية الحكم، يقول فيها إن خياره هو الدولة القائمة على الحرية والديمقراطية، وهي وثيقة يمكن للائتلاف
تعميم مضمونها على بقية مناطق سورية، والاستناد إليها في حواراته مع الداخل والخارج، وفي استعادة تأييد قطاعاتٍ لا يستهان بها من شعبنا، أرعبتها داعش وأخواتها إلى الحد الذي أعادها إلى النظام، أو أكرهها على الوقوف جانباً، على الرغم من أنه كان لها، طوال سنوات، إسهامها الجدي في دعم الثورة.
هناك تحرك مواز في شمال بلادنا، وإن كان لم يبلغ بعد درجة الوضوح، التي نراها في الجنوب. يشير ما حدث في إدلب، بعد فرار النظام منها، إلى تقدم ملحوظ في عقلية وممارسات جميع الفصائل المقاتلة، بما في ذلك الإسلامية منها، يقربها من مفاهيم وطنية جامعة، يعتمدها المعارضون والثوار الديمقراطيون، كانت ترفضها إلى الأمس القريب، بيد أن سلوكها في إدلب أكد رفضها القاطع النموذج الداعشي، واقترابها، في جوانب بعينها، من النموذج الوطني الذي لا يتعارض مع، ولا يعترض على، الحرية كمبدأ.
تطرح هذه التطورات الإيجابية مهمتين على الائتلاف والجيش الحر، هما، أولاً: اتخاذ الخطوات والترتيبات اللازمة لإدارة المناطق التي تحررت، وتلك التي يتوقع أن تحرر في فترة غير بعيدة، بطرق تأخذ سورية إلى نظام حر ومدني، ليس داعشياً أو قاعدياً. وثانياً: ممارسة سياسات فيها تجعلها مستقلة عن أي طرف خارجي، ليتكامل توجهها المدني والحر مع استقلالها، ويحولها إلى نموذج يظهر ما ستكون عليه بلادنا، بعد الأسد.
ويبقى أن يطور الائتلاف مواقفه، لكي تتفاعل بنجاح مع الجديد والمفصلي الذي تصنعه الثورة، وأن يضع، أخيراً، استراتيجية وطنية، تردم الهوة بين إسقاط النظام وقيام نظام ديمقراطي، تكون السلطة فيه لمن يفوز بأغلبية أصوات السوريين، يضمن عدم سقوطنا في حرب أهلية، لا تبقي ولا تذر.

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى