مقالات

عمار ديوب : الانتقال السياسي في سوريا ومسألة الطائفية

أثارت سيطرة القوى المناهضة للنظام على مدينة جسر الشغور السؤال الطائفي مجددا. لماذا لم تلتحق الطائفة العلوية وتنهي علاقتها بالسلطة؟ يتضمن السؤال اتهاما طائفيا بأنها بنية صلدة وحاضنة للنظام وهي من أبقاه على قدميه وهي المسؤولة عن قتل السوريين، وأن رفض الانفكاك عنه أجّل انتصار الثورة، وبغياب كل ذلك فليذوقوا طعم المجازر والقتل التي ذاقها “السنة” على مدار أربع سنوات متتالية. أي قراءة لهذه الفكرة ستجد فيها منطقا طائفيا ثأريا وانتقاميا. منطق يحدد الثورة السورية منذ نشأتها وإلى هذه اللحظة ثورة طائفية “للسنّة”.

إذن هناك مشكلة طائفية تفاقمت في سنوات الثورة. تعود هذه المشكلة إلى سببين الأول رفض النظام إغلاق ملف عشرية الثمانينات وما سادها، حين خاض الإخوان حربا طائفية ضد النظام، ورد الأخير بتشكيل كتائب طائفية ضدهم وانتصر فيها. المشكلة أن هذه الحقبة تركت خللا في الوعي العام مفاده أن النظام أقلوي والسنة متضررون. السبب الثاني، استغلال كل من النظام والإخوان المسلمين للثورة وتطييفها، ومحاولة الإثنين تجديد التسابق نحو السلطة؛ النظام ليؤبد وجوده في موقعه، والإخوان لاعتلاء السلطة وأسلمة المجتمع، وهو هدفهم الأساسي في كافة الدولة العربية التي اقتربوا أو وصلوا فيها للسلطة.

هذه المشكلة تفاقمت مع انتقال الثورة إلى السلاح والتمويل الخارجي، وتفاقمت حينما أفرج النظام عن الجهاديين من سجونه، وسماح تركيا بعبور الجهاديين من كل دول العالم إلى سوريا، وحينما أدخل النظام حزب الله وإيران والميليشيات الطائفية في حربه ضد الشعب؛ قدم الإخوان، كل أشكال الدعم لدفع الثورة نحو التطييف، وشكلوا كتائب مقاتلة تابعة لهم.

التناقض بين الإخوان والنظام منع البحث في الحل السياسي؛ فالنظام اختار الحل الأمني ولاحقا الأمني العسكري، والإخوان اختاروا التطييف ودعم الخيار المسلح، وسيطروا على المجلس الوطني، وساهموا في تعطيل كل تقارب سياسي مع المعارضة السورية، لاسيما هيئة التنسيق الوطنية، والتي تقارب حل التناقض بين السلطة والثورة الشعبية من زاوية الحوار والحل السياسي للوصول إلى التغيير الشامل.

البلاد دمرها النظام وحلفاؤه، وتعاظمت الجهادية وأكلت الفصائل الوطنية بإشراف النظام والإخوان والدول الإقليمية على مرأى من العالم، وكل المبعوثين الدوليين والمبادرات العربية والإقليمية فشلت في إنهاء الصراع، ووصل الأمر ليصبح صراعا إقليميا ودوليا من ناحية، وصراعا مذهبيا بين أطراف شكلتها الدولة ومن يدعمها ولاسيما إيران وحزب الله، والمجموعات الجهادية ومن يدعمها من ناحية أخرى.

ضعف النظام باد بعد تحرير إدلب وجسر الشغور ومعبر نصيب بشكل لا يمكن تجاهله، وساهم في ذلك المأزق الإيراني في اليمن والعراق، وتحويل جهة الكثير من الميليشيات إلى تلك الأراضي، وخوف حزب الله من ارتفاع حصيلة قتلاه وتراجع مكانته في لبنان. أما المعارضة فإن ضعفها واضح لكل مبصر فلا تنسيق بين أطرافها الأساسية، إضافة إلى “جرجرتها” للقاءات بين كثير من العواصم العربية بهدف السيطرة عليها، ولتكون مجرد أداة سياسية لمصالح الخارج.

استغلت تركيا ضعف النظام لدعم التنظيمات الأصولية في إدلب للتحرك نحو مدينة اللاذقية و“تحرير” إدلب وجسر الشغور فضلا عن إمكانية أن تتحرر أريحا خلال أيام، وبالتالي ستنتقل تلك القوى إما نحو اللاذقية أو حلب، وبذلك يتهاوى النظام.

ومع تهديد مدن الساحل عاد السؤال الطائفي، ماذا ستفعل الأصوليات بالأقليات؟ وماذا سيكون عليه شكل النظام السياسي، وتضاعفت هلوسة كثير من المثقفين خوفا على الأقليات بأن مصيرها سيكون الفناء لا محالة، وقبالة ذلك تصاعد الرأي النقيض المذكور آنفا، فليذوقوا ما ذاقته “السنة”. المنطق الطائفي هذا لا يرى الناس إلا طوائف، ويتجاهل أن الثورة شاركت بها كل الطوائف، وكان مع النظام فئات من كل الطوائف مع أغلبية للطائفة العلوية. العقل الطائفي لا يرى إلا الانتقام والثأر، وإحلال طائفة متخيلة ومظلومة، مكان طائفة متوهمة سائدة.

النظام اقترب من التغيير سقوطا أو عبر التفاوض، ويرجَحُ التفاوض وفقا لقراءة مجمل الوضع المؤثر على سوريا. وباقترابه من السقوط فإن ذلك العقل سيدفع نحو طائفية سياسية قادمة، وبذلك يكمل ما بدأه النظام والإخوان في بناء السلطة الطائفية، وسيكون لممثلي الطوائف حصصا وستكون أطراف من السلطة الحالية ممثلة فيها. عكس ذلك واستنادا إلى مفهوم الثورة يفرض الواقع استنهاض كافة القوى السياسية من أجل مشروع وطني ديمقراطي لمواجهة المحاصصة الطائفية القادمة، وتحقيق أهداف الثورة في حياة أفضل لكافة السوريين.

بهذه العقلية يمكن مواجهة المسألة الطائفية في سوريا، وإنهاء آثار حرب الثمانينات ومحاصرة الجهادية ومحاكمة كافة القتلة باسم الاستبداد، وبناء سوريا بما يليق بكل تضحيات السوريين منذ السبعينات من القرن الماضي. هذا المسعى لن يكون بأدوات سياسية تابعة للدول الخارجية، بل بقوى سياسية سورية تتجاوز ثقل الماضي ومشكلات الثورة وتؤسس سوريا الجديدة.

العرب اللندنية _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى