بعد مؤتمر موسكو التشاوري الثاني حول سورية، وتردد معلومات عن انعقاد مؤتمر القاهرة الثاني أيضا، اتضح أن المؤتمرين لم يضيفا إلى الأزمة إلا مزيداً من التعثر السياسي، ووهن المعارضة السورية، على وقع بحث العاصمتين عن دور ما لهما. وها هي العجلة السياسية تدور، ويلوح أن حراكا يدخل على خط الأزمة، بعد طول ركود واستنقاع سياسي، استمرت معهما مقتلة الشعب السوري، بوجوهها المأساوية المختلفة.
فقد رشح أن السعودية تسعى إلى دعوة شخصيات من بعض أطراف المعارضة، وبغض النظر عن مؤسساتها، بهدف الاجتماع مستقبلاً في الرياض، من أجل تشكيل وفد أو هيئة عليا، للتفاوض على مستقبل الوضع السوري.
وذلك في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة عن الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، لأطراف وشخصيات سورية معارضة، عسكرية وسياسية، وأخرى من النظام السوري، لحضور لقاءات تشاورية ثنائية منفصلة في جنيف في السابع من مايو/أيار المقبل، وحتى 22 من الشهر نفسه، لإجراء عملية حوار موسع، للوقوف على آراء المعنيين، بالإضافة إلى إيران والقوى الإقليمية والدولية، في ما يتعلق بكيفية المضي نحو حل سياسي للأزمة السورية.
وبطبيعة الحال، لا يمكن فصل المسعيين، السعودي والأممي، عن وقع التطورات الميدانية الأخيرة في المنطقة، سواء في اليمن أو في سورية، وهي تطورات دفعت مراقبين إلى المقارنة والربط بينهما، أو حتى لملاحظة تبادلية في التقدم والتراجع، على المستويين، العسكري والسياسي، إلى درجة أن بعضهم توصّل إلى القول إن عاصفة الحزم تضرب في جسر الشغور، وذلك بعد تحريرها قبل أيام، وسيطرة قوات المعارضة السورية عليها، واستكمالها قطع الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، فبينما كانت “عاصفة الحزم” تضرب معاقل الحوثيين وحلفائهم، وتقطع مصادر إمداداتهم، وتعيد حسابات التدخل الإيراني، كانت المعارضة السورية تتابع تحقيق انتصاراتها في الجنوب، مع تحرير بصرى الشام، ومعبر نصيب، ثم تستكمل تحرير إدلب في الشمال، لتلحق به تحرير أريافها، وتتوجه غرباً إلى ريف اللاذقية، وجنوباً إلى ريف حماه ووسط سورية.
وحقا، وبغض النظر عن القوى المتصارعة محليا في اليمن وسورية، فإن القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الصراعين، تكاد تكون متطابقة، من السعودية وتركيا إلى روسيا وإيران، وصولاً إلى باقي دول الخليج المنضوية في إطار تحالف عاصفة الحزم أو والمتضامنة معها، فيما عدا سلطنة عمان التي بقيت على الحياد، ما أهلها لدور الوسيط في التهدئة الحاصلة، وفي مشروع الحل السياسي الجاري بحثه.
لكن، إذا كان من الواضح أن أجواء تحالفات عاصفة الحزم، قد انعكست على تحسن العلاقات السعودية القطرية التركية، ما ساهم في دعم انتصارات المعارضة، وحزمها في شمالي سورية بخاصة، فإن مسارا موازيا من الحزم إلى الأمل ما زال في طي الغموض، على الرغم من التفاؤل الذي توحي به دعوة الرياض القائمة على توقع الوصول إلى مرحلة تفاوضية قادمة.
وذلك ما لا تدل عليه، من جهة أخرى، دعوة دي مستورا للحوارات المنفصلة في جنيف، والتي تأتي بعد فشل مشروعه السابق لإقامة مناطق مجمدة في الصراع السوري، نتيجة تعنت النظام في حصاره وقصفه، ولرفض الثوار فصل حلب وبعض المناطق عن كلية الوضع السوري. كما أنها تأتي في جو شاعت فيه دلائل استعداد الغرب لتقبل إعادة تأهيل النظام السوري، في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب، والحرب الجوية التي أعلنها ضد داعش وأشباهه، والتي توقعت لها القيادة الأميركية ثلاث سنوات من المدى الزمني على الأقل، وما برز في إطار ذلك التقبل من وفود برلمانية أوروبية زارت دمشق، أو من منابر إعلامية أوروبية، فتحت نوافذها للنظام السوري ورأسه، علما أن الأخيرة تستجيب لهاجس إضافي ملح، أصبح مهددا لمستقبل النمو الأوروبي وميزانياته، وهو ما يتعلق بأخطار الهجرة المليونية غير الشرعية التي تهدد السواحل الأوروبية، والتي صار من الشائع القول إن علاجها غير ممكن، من دون إطفاء حرائق الشرق الأوسط وإيجاد تسويات سياسية لها.
وفي كل الحراك السياسي المذكور، سواء ذلك الذي جرى في موسكو والقاهرة، أو الذي يتوقع له أن يجري في الرياض وجنيف، من الواضح أن دور المعارضة السورية تغير، بعد أن فشلت، حتى تاريخه، في توحيد قواها، بل إن شرعيتها الرمزية ضعفت أو تلاشت عمليا، إذ لم تعد تدعى كمؤسسات، ولا كهيئات، ولم تعد مؤسستها الرسمية في الائتلاف الوطني تحتكر تمثيل المعارضة، أو تحدد ممثليها، ويجري السكوت عن كل ما يتعلق بهذه المسألة، بعد أن كانت أحد شروط مشاركتها في جنيف 2، فضلا عن أن المشاركات الجديدة ستشمل قادة عسكريين من الداخل أيضا، ولم يكن بعيداً عن ذلك خروج أبرز قادة جيش الإسلام من سورية، في زيارة خاطفة إلى تركيا والسعودية، وذلك كله سيعطي طابعا مختلفا لأداء ممثلي المعارضة، في أي مفاوضات مقبلة. هكذا، يبدو أن سورية ستشهد صيفا ساخنا، بينما يتردد الميدان السياسي بين مجال دعوتين، يبدو أن إحداها يمكن لها أن تبنى على تجميد الصراع بين المعارضة والنظام، بانتظار التوصل إلى تسويات لا يفني فيها الذئب ولا يموت الغنم.
بينما يمكن للثانية أن تبني على الحزم الحاصل على الأرض دعوة للأمل بتفاوض قريب، تدخله المعارضة والنظام على وقع التطورات العسكرية الأخيرة، وقبيل ارتسام نتائج التوقيع النهائي على الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي، حيث يمكن أن يتقدم الحل السياسي السوري، بما فتحه التقدم العسكري للثوار، وهو حل يرتبط تحسين شروطه، بمتابعة زخم الانتصارات التي كانت وحدة جيش الفتح عنوانها البارز، وتلك مسألة لا يتحمل المقاتلون مسؤوليتها وحدهم، بل هي مسؤولية جميع السوريين المعنيين بتدارك ما بقي من الوطن.
العربي الجديد _ وطن اف ام