مقالات

ناديا بوهنّاد : أطفال الثورات

لو أمعنا النظر والتحليل في نوعية وتفكير أطفال هذا اليوم وسألنا أنفسنا هل ستكون الحياة والشعوب بخير؟ وهل سنكون نحن في أفضل حال إذا حكم العالم نماذج تشبه أطفال اليوم بتفكيرهم وسلوكهم وتغيب الكثير منهم ذهنيا ونفسيا؟ هل ستقوم في المستقبل حضارة أطفال الأيباد أو حضارة أطفال الثورات؟

الحضارة تقوم في العادة على أنقاض حضارة أخرى تسبقها ثقافة مختلفة وأحيانا كثيرة نقيضة في كل تفاصيلها كما هو الحال في حضارات كثيرة ظهرت وعلت ثم اندثرت. فلو سألنا أي طفل ما بين الثامنة والحادية عشر من عمره عما يحدث من حوله من تقلبات سياسية أو اجتماعية إما أنه يبتسم في وجهك أو يعتقد أنك تتحدث لغة لا يفهمها.
وحتى لا أكون مجحفة في حق الأطفال لنفترض أننا وجهنا نفس السؤال إلى مراهقي اليوم من الجنسين من سن الثالثة عشرة إلى سن الخامسة والعشرون وأنا أجزم أن نسبة كبيرة منهم لا علم لها عما يدور من حولها، وتخيل أن أحدهم يصف عاصفة الحزم على سبيل المثال بالريح الصيفية التي تجلب المناخ الحار والرمل والغبار، وهذا بالفعل كان تعريف أحدهم وهو في الثالثة والعشرون من عمره عندما سألته عن رأيه في عاصفة الحزم!

ماذا زرعنا وماذا حصدنا؟ الكثير منا لم يشهد الحروب العالمية في الماضي ولا يتذكر ما تعلمه في المدرسة من تاريخ الشعوب والحضارات التي سبقتنا، لكن نسبة كبيرة بحثت وقرأت عندما كبرت قليلا وذلك لأن الفكر بسبب التربية وأسلوب التعليم في المدارس كان لا يزال يبحث وكان العقل حاضر كما كان للفضول دور كبير في الإلمام بالمعرفة لدى الأجيال السابقة. لكن ما يحزن ويخيف هو الأجيال التي لديها عقول لكنها مغيبة.

التصرفات العدوانية التي تحدث في العالم سواء من قبل داعش وغيرهم هي بسبب التربية والجينات التي يرثها الشخص من سابع جد بالإضافة إلى غسل الأدمغة، فعلى سبيل المثال ما حدث في السنوات القليلة الماضية من غياب للتربية الصحيحة والاهتمام الصادق لشبابنا وفسح المجال أمام المتطرفين والإرهابيين ليقوموا بغسل أدمغة شبابنا عن طريق تقديم الاهتمام والرعاية التي افتقد إليها المراهق كانت النتيجة شباب يتبع مجموعات إرهابية لا تخاف الله بل تتجار باسم الله والدين مثل جماعة الإخوان الإرهابيين وداعش والجهاديين وغيرهم الكثير من الجماعات الإرهابية التي تنتشر هنا وهناك.

والسؤال هنا على من يقع اللوم في غياب فكر أطفالنا وشبابنا المراهقين؟ بطبيعة الحال اللوم الأول والكبير يقع على الوالدين وأسلوب التربية، وعندما أقول الوالدين أعني شخصية الوالدين وفكرهما، ونمط الشخصية هو الذي يحدد منهج وأسلوب التربية.

وبما أنه من الصعب التدخل لتغيير شخصية الوالدين فأنه من السهل جدا التدخل في طريقة ونمط التربية لديهما. وأتساءل هنا، هل فكرنا في أن نلزم الوالدين باجتياز رخصة لتربية أولادهم ونعلمهم أصول التربية بعد قياس مدى ثقافتهم ومعرفتهم العامة؟ أيضا نستطيع أن نتدخل في المناهج المدرسية وتخصيص مواد لتدريس الأخلاق والقيم والمبادئ التي تعمل على إنتاج أجيال مثقفة ترتقي بأوطانها لا تنجرف وراء الهراءات ووعود الجماعات الإرهابية بل نعلمهم كيف يقضون على الإرهاب بعلمهم وأخلاقهم تماما كما يحدث في اليابان التي تدرس مادة في الأخلاق “الطريق إلى الأخلاق” من الصف الأول الابتدائي إلى الصف السادس الابتدائي والتي سوف تكون إلزامية لجميع المدارس في اليابان بدءا من 2018.

ما يحدث حولنا من تراجع في أسلوب التربية وتخلف الأجيال ثقافيا وأخلاقيا لا يؤثر فقط في الأطفال والمراهقين الذين يعيشون في مثل هذه الظروف إنما يؤثر في الأجنة داخل بطون أمهاتهم.

لأننا زرعنا خطأ وبدون علم ومعرفة في المقابل حصدنا خطأ سواء كان ذلك على مستوى التربية في المنزل أو التربية والتعليم في المدارس أو توجهات الشعوب السياسية التي ورثت شعوبها تخلفا ليقوموا بثورات وحروب تدمر الشباب والبلاد فبعد ثلاثين عاما من الحرب العالمية الثانية تمت دراسة في ألمانيا لتحليل شخصيات أفراد أعمارهم 30 سنة ووجدوا أن لديهم نفسيات مضطربة وكانت الدراسة على عينة من الأطفال الذين كانوا آنذاك في بطون أمهاتهم وحديثي الولادة.

الكثير من أولادنا تعرضوا لحروب وثورات مثل الحرب على الكويت قبل سنوات وحالياً الثورات التي قامت في تونس وسوريا ومصر واليمن، فكيف سيكون المستقبل لأطفال هذه الدول؟ وكيف سيكون مستقبل هذه الدول على يد أجيال المستقبل فيها؟

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى