بالمعيار الإنساني تعد الأزمة السورية واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدتها المنطقة، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق. الاتحاد الأوروبي ذهب في أحد تقاريره الأخيرة إلى حد القول إن الحرب السورية خلقت أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بينما صنفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عملياتها هناك بأنها الأكبر في تاريخها. فهناك 4 ملايين لاجئ سجلوا في الخارج، و8 ملايين نازح في الداخل، أي ما يزيد على 54 في المائة من مجموع سكان هذا البلد العربي المنكوب، هذا من دون التطرق لعدد القتلى والجرحى.
المؤلم والمؤسف أنه ليس في الأفق ما يشير إلى أن معاناة السوريين ستخف قريبا، بل الأرجح أنها ستتفاقم مع تصاعد وتيرة القتال، بينما الحل يبدو بعيدا في ظل تباعد المواقف بين الأطراف، والخلافات السياسية، والصراع الإقليمي، وغياب أي إرادة دولية لفرض حل. المجتمع الدولي، ترك مساعي الحل للأمم المتحدة ومبعوثيها الذين تعاقب منهم ثلاثة على المهمة حتى الآن، هم كوفي أنان ثم الأخضر الإبراهيمي وأخيرا ستيفان دي ميستورا، حتى أصبحت الأزمة مقبرة لمهام المبعوثين الدوليين. فالأمم المتحدة تبقى عاجزة إذا لم تكن مدعومة بإرادة دولية، وبقرارات للتدخل لفرض الحل ولو استدعى الأمر استخدام القوة.
دي ميستورا بدأ أخيرا خطته للحل والقائمة على إجراء مشاورات موسعة مع الأطراف المعنية من دون جمعها بالضرورة حول طاولة واحدة في جنيف 3. بهدف التوصل إلى رؤية حول كيفية وقف الحرب، وشكل الفترة الانتقالية وكيفية إدارتها حتى الوصول إلى مرحلة إجراء الانتخابات. لكن حظوظه قد لا تكون أحسن من سابقيه، إذ ما تزال المواقف متباعدة بين الأطراف المحلية والخارجية، ولا يوجد توافق حتى بين أطراف المعارضة، بينما الحرب تتصاعد مع تدفق المزيد من السلاح أخيرا إلى ساحة القتال. وزيادة في التعقيد، وضع دي ميستورا لنفسه مهلة ستة أسابيع فقط تنتهي بنهاية يونيو (حزيران) المقبل لاستكمال لقاءاته مع نحو 40 جهة دعيت للمشاورات من بينها إيران التي تقول دوائر غربية إن دعوتها كانت ضرورية باعتبارها طرفا، ويريدون منها «أن تقوم بدور إيجابي» للمساهمة في حل الأزمة على حد تعبير فدريكا موغيريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.
لم يفت على أي مراقب حصيف أن المهلة التي حددها دي ميستورا لرفع تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة بعد إكمال مشاوراته في نهاية يونيو، تتزامن مع المهلة المحددة لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران. فالغرب يربط الكثير من الأمور و«التفاهمات» مع إيران بالاتفاق النووي كما يبدو، بما في ذلك دورها في سوريا والعراق وفي حرب الإرهاب، وربما في قضايا أخرى أيضا. هذا الربط يقلق أطرافا عربية إضافة إلى تركيا، ويسهم بالتالي في صبّ المزيد من الزيت على نيران الصراع الإقليمي. من هنا شهدت ساحة الحرب في سوريا تصعيدا للقتال خلال الأسابيع القليلة الماضية وتدفقا للسلاح وجهودا حثيثة لتقريب أو توحيد جبهات المعارضة بما في ذلك التنسيق مع بعض الفصائل المتطرفة مثل جبهة النصرة.
هناك من يرى في تصعيد القتال وخسائر النظام الأخيرة في ساحات الشمال والجنوب، فرصة لإسقاط النظام أو لفرض واقع جديد على الأرض قبل عودة إيران بقوة من بوابة الاتفاق النووي المنظور. وضمن هذه الرؤية فإنه حتى لو لم يسقط النظام، فإن خسائره على الأرض قد تدفعه إلى تقديم تنازلات لإنجاح الحل السلمي بعدما كان راوده شعور بأنه كسر شوكة المعارضة، وحقق انتصارات كبيرة عليها فلم يعد مضطرا للتفاوض الجدي أو تقديم تنازلات.
في الجانب المقابل تبدو الدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، وكأنها قانعة بأن الأزمة ستطول. الدليل على ذلك أن واشنطن التي باشرت أخيرا برنامجها لتدريب المعارضة المعتدلة، ترى أن عملية التدريب لن تكتمل قبل ثلاث سنوات. أضف إلى ذلك التسريبات عن أن الإدارة الأميركية تشعر بالقلق من سقوط دمشق في أيدي الفصائل المتطرفة مثل جبهة النصرة، أو أن يؤدي انهيار النظام إلى وضع شبيه بما حدث في العراق وليبيا، أي حدوث فوضى وحروب بين الفصائل يرافقها صعود حركات مثل «داعش»، لكن على حدود إسرائيل هذه المرة.
هذه التعقيدات والسيناريوهات ستكون وبالا على الشعب السوري الذي ذاق أشد المعاناة، ويراد له أن يعاني أكثر. فالحقيقة أن التحركات الدبلوماسية ستبقى تدور في فراغ إلى إشعار آخر، وأميركا مقبلة على فترة «بيات انتخابي»، بينما احتدام الصراع الإقليمي لن يؤدي إلا لمزيد من الاقتتال على الساحة السورية. كيف ومتى ستنتهي هذه المحنة؟ لا أحد يعرف، وليس هناك خطة واضحة ومتفق عليها. يمكننا بالطبع أن نلقي باللوم على المجتمع الدولي، لكن السؤال هو: أين نحن من هذه المسؤولية؟
المصدر : الشرق الاوسط