مقالات

خطار أبودياب : احتدام الاستقطاب الإقليمي في النزاع السوري وتداعياته

على وقع “عاصفة الحزم” في اليمن حصل تغيير في المعادلة الاستراتيجية في سوريا، وعلى وقع التطورات العسكرية في الشمال والجنوب والوسط يمر النظام بمنعطف صعب يشبه ما حصل في صيف 2012 أو في خريف 2013.

ونتيجة ترافق ذلك مع تآكل داخل الدوائر العليا للمنظومة الأمنية والعسكرية المسيطرة، دفع البعض لتوقع اقتراب سقوط النظام أو اقتسام سوريا وتفككها أو على الأقل بدء الخروج من النفق والتوجه نحو حل سياسي متوازن استنادا إلى وثيقة جنيف 1.

أيا كانت التحولات التي ستتسارع من الآن إلى آخر يونيو الموعد الحاسم حول توقيع الاتفاق النووي مع إيران، أو التطورات في الملفين العراقي واليمني، تبقى سوريا ساحة مكشوفة لصراع إقليمي حاد تتمسك بها إيران كقاعدة متقدمة لمحورها وبمثابة الممر نحو البحر الأبيض المتوسط. لكن تعديل قواعد اللعبة برز مع علاقة عمل جديدة بين المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، الداعمين الأساسيين للمعارضة في سوريا.

نتيجة استمرار الالتزام الروسي بدعم نظام بشار الأسد وشخص الرئيس بالذات، ونتيجة التأرجح والتردد الأميركي إزاء استنزاف الجهود والأولويات ضد تنظيم الدولة والمكون الجهادي بشكل عام، لا يبدو الحسم على الأبواب بل إن سيناريوهات التفكك ومناطق النفوذ أي مناطق الأمر الواقع هي الأكثر تداولا وواقعية في المدى المنظور. أي أن الخلاصة المبدئية هي انتهاء سوريا وكيانها التاريخي المنبثق من اتفاقية سايكس – بيكو، والتوجه نحو جغرافيا سياسية جديدة في سوريا وجوارها لن تتضح ملامحها من دون حسم الصراع الإقليمي والدولي، أو الجلوس إلى طاولة مفاوضات تنتج معاهدة “وستفاليا” مشرقية. وهذا لا يبدو ممكنا في المدى القصير تبعا لميزان القوى المحلي والإقليمي، وتبعا لاستمرار الحذر بين واشنطن وموسكو.

في كل تركيبة إقليمية آتية ومع الإقرار بأهمية الصراع حول اليمن بالنسبة إلى شبه الجزيرة العربية والخليج، إلا أن مصير سوريا (ويرتبط ذلك بلبنان والعراق) يبقى هو الرهان والفيصل بالنسبة إلى المنظومة العربية أو إلى تركيا أو إيران أو إسرائيل على حد سواء. سوريا ومصير النظام والكيان ووحدة الأراضي، هي محور تجاذبات ومساومات منتظرة، وهذا يفسر التهافت عليها واعتبارها معركة مقدسة لكلا الجهادين “السني” و”الشيعي” وساحة تقرير نفوذ للاعبين الإقليميين والدوليين.

في سبعينات القرن الماضي عندما جنح العرب نحو التفكير بوقائع جديدة في الإقليم، اعتبر هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركي الشهير أن “لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا”. وفي يوليو 2013 توقع كسينجر نفسه في مداخلة له أمام “فورد سكول” أن “هناك ثلاث نتائج ممكنة للصراع في سوريا: فوز الرئيس الأسد، انتصارا سنيا، أو نتيجة تتوافق فيها القوميات والفئات المختلفة على التعايش معا، ولكن في مناطق تتمتع بالحكم الذاتي ولا يكون فيها قهر واضطهاد”، وحسم أنه “يتمنى الخيار الثالث ولو أن هذا الرأي ليست له شعبية كبيرة”.

هكذا إذا عدنا إلى أدبيات العزيز هنري فإنه يعتبر اتفاقية سايكس – بيكو أنها أفرزت دولا لا علاقة لها بالحقائق التاريخية، وكان هدف فرنسا تركيب سوريا على مقاسها، وهاجس بريطانيا مماثلا له في العراق. والأهم هو خلاصة كيسنجر وجو بايدن (نائب الرئيس الأميركي الحالي) وأمثالهما في الدوائر الغربية والإقليمية، أن هذه الكيانات في سوريا وغيرها غير قابلة للحياة ولا بد من منهجية أخرى تتأقلم مع واقع نفوذ القوى الإقليمية على أنغام الصراع السني – الشيعي وعوامل التفتت الأخرى.

تنطلق هذه المقولة من أن الشعوب العربية ليست بصدد التفكك الآن، لأنها لم تعرف في الأصل، أو من قبل، عملية توحد فعلية بين مكوناتها المختلفة. يمكن لذلك أن يكون صحيحا من ناحية علم الاجتماع وسيطرة الدين، لكن تركيب الدول والكيانات يخلق وقائع لا يمكن تجاوزها، ولذلك يمكن أن يكون التفكك عنوان مرحلة انتقالية تحكم فيها قوى الأمر الواقع، لكن الأرجح أن العناصر المنطلقة من عمق المجتمعات وجذورها الحضارية ستجد في لحظة مستقبلية معادلة المواطنة والشكل الفدرالي والاتحادي لترميم الكيانات القائمة أو تكوين اتحادات مناطقية.

الجديد في هذا المنعطف السوري اليوم لا يتمثل في مفاوضات دي ميستورا التشاورية، والتي لن تصلح ما أفسده التخلي العالمي عن الشعب السوري، ولن يأتي من مؤتمرات ومناورات جديدة ستصل إلى كازاخستان. لكن الجديد يتمثل في تغير الوقائع الميدانية وبروز الإشكالات في أعلى هرم النظام، ويترافق ذلك مع وحدة غير مسبوقة بين دول داعمة للمعارضة بعد تخطي الخلافات الداخلية، والحروب بالوكالة التي أصابت المعارضة بالوهن. الجديد إذن هو التفاهم السعودي – التركي الذي أعطى زخما جديدا، وهو ينبع من قرار سعودي بعدم قبول التمدد الإيراني وتداعياته.

في مواجهة هذا الزخم ترمي إيران بكل ثقلها، وعلى عكس ما يفكر البعض بأن هناك ترتيبا للأولويات عند طهران، فسوريا لا زالت مركزية والأولويات متشابكة لدى طهران في الملفات السورية واليمنية والعراقية، وهي لا تتحمل خسارة كبيرة إبان مفاوضاتها النووية.

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى