مقالات

خطيب بدلة : رجال حول الأسد

في مطلع سنة 2011؛ ومع اشتعال الثورة السورية، أخذ السوريون يكتشفون، بدهشة مشوبة بالمرارة، أن بشار الأسد الذي ورث البلاد السورية عن أبيه الديكتاتور، حافظ الأسد، لم يكن مجرد فتىً مدلل ينأى بنفسه عن السياسة لأجل التخصص بطب العيون في المملكة الاستعمارية القديمة بريطانيا؛.. بل هو شيء آخر مختلف.

انطبعتْ في مخيلة هؤلاء السوريين المندهشين مشاهدُ من ذاكرة تشبه الأفلام السينمائية القصيرة التي يجري تصويرها بسرعة، أو بطريقة الـ (Quick Motion)، تبدأ بحشد قوامُه مزيجٌ من عناصر المخابرات وأعضاء مجلس الشعب، يقفون عند مدخل البرلمان، ويهتفون: بالروح بالدم نفديك يا بشار. وكأنهم؛ بهذا الهتاف الجديد، يفتتحون عهداً ديكتاتورياً بنكهة أسدية جديدة، تليها لقطات متتالية للنائب السيد عبد الحليم خدام، وهو يوقّع قرارات ومراسيم وفرمانات أدت إلى تحويل هذا الفتى المدلل الذي لا يجيد لفظ مخارج الحروف، ولا حتى المشي المتوازن، إلى رئيس للجمهورية العربية السورية، وأمين عام لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وقائد للجبهة الوطنية التقدمية التي تضم أحزاباً يصل عمرُ أحدها إلى سبعين سنة. تليها لقطات لسيادة النائب خدام، وهو يختم ويوقّع، ليمنحه، خلال نصف دقيقة، ترفيعات عسكريةً تحتاج إلى عشرين سنة من الصبر والانتظار، ليعلنه، على مرأى أعين السوريين، قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة برتبة ‏‏”فريق ركن”. هذا مع أن بشار الأسد؛ كما يعرفه خدام وغيرُه، لم يكن عسكرياً بمعنى الكلمة، وإنما مسجلاً على قيود إحدى القطعات العسكرية من باب كسب الوقت، والتحسب لعاديات الزمان.

لو كان بشار، في ذلك الوقت، مجرد فتى صغير، مؤدب، متفرغ للعلم والمعلوماتية، ومداواة عيون الجماهير، كما زعم مناصروه، لما استنفر رجال الدولة الكبارُ الذين كانوا يحيطون بوالده، ليقوموا بواجبهم في قَصِّه وتركيبه وبَرْده وتلميعه، ليكون قادراً، كأبيه، متى يشاء، على إخراج مئات الألوف من السوريين إلى الشوارع، وهم يحملون لافتاتٍ كتبت عليها كلمة (منحبك)، ويهتفون، مرغمين: بالروح بالدم نفديك يا بشار.

لم يكن الديكتاتور حافظ الأسد ليسمح لأحد من رجاله ومعاونيه وموظفيه وسياسييه أن يكبر ويحوز على اسم وشهرة، إلا إذا كان يقبل بأن يكبر ويشتهر ضمن حدود تبعيته له، وإخلاصه لعرشه، وخنوعه أمامه. ولم يكتف بإيقاع الرعب في نفوسهم، وهو على قيد الحياة، بل تعدى ذلك إلى ما بعد وفاته، فقد رويت حكاية طريفة عن لحظة الاستعداد لدفن جثمانه في العاشر من يونيو/حزيران 2000، حينما بدأ أحد معاونيه يعطي أوامر لها علاقة بتوريث بشار، وفي سياق ذلك، طلب من أحد قادة الشعب الأمنية أن يفعل شيئاً ما، فتجاهل أمره، وقال له: نحن لا نأخذ أوامرنا منك. قال المعاون: إذن، ممن تأخذون أوامركم؟ فقال: من هذا. وأشار بإصبعه نحو تابوت حافظ الأسد.

لم يقصّر بشار الأسد بالكيد للرجال الذين ساهموا في عملية توريثه السلطة، وشد أزره، وإسناده، والتستر على ضعفه، وهشاشته، وضحالته، إذ سرعان ما ركن (عمو عبد الحليم) جانباً، وكأنه لم يكن من أهم صانعي نظام أبيه، وفي سبتمبر/أيلول 2005، أجبرَ غازي كنعان على الانتحار بمشطين من الرصاص. وقتلَ حامي حمى القصر الجمهوري اللواء محمد سليمان، وفي تفجير بارع لمبنى الأمن القومي تخلص من مجموعة لا يستهان بها من الذين ساهموا في صناعته، بينهم هشام بختيار وزوج أخته آصف شوكت. وبمجرد ما عاودت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري عملَها، جاء الدور على شخصيات كبيرة أخرى، أمثال رستم غزالي وعلي مملوك.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل سيضطر بشار، أخيراً، للتخلص من شقيقه ماهر؟ وهل ستترك له الثورة السورية الوقت الكافي ليفعل ذلك بهدوء، وبسلاسةٍ، مثلما تخلص والده من عمه رفعت؟

العربي الجديد _ وطن اف ام

 

زر الذهاب إلى الأعلى