لا الولايات المتحدة الأميركية، ولا المجتمع الدولي، بكليته، ولا حتى التجمعات الإقليمية العربية، وسواها، يمكن أن تنشغل بقضية، وتضعها في صدارة جدول أعمالها، ما لم يكن هناك دوافع، تفرض عليها الاهتمام بما تكره، قدر عنايتها، بما تحب، وربما أكثر.
ذلك درس، يمكن لمن يشاء أن يستخلصه، لو حاول البحث عن جواب لسؤال غياب فلسطين عن قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية، وهو درس تقول شروحاته، ببساطة، إن الشرر المتطاير من أي أزمة، نحو مصالح الكبار في محيطها، هو، تحديداً، ما يفرض الاهتمام الدولي بها، ويحرك عجلات الدبلوماسية، لتحاول حلها، أو تسعى، على الأقل، في هذا الطريق، وإلا كيف نفسر، مثلاً، انشغال أميركا وأوروبا، والدول العربية، بمشروع إيران النووي، وكذا إصابتهم جميعاً بالأرق، نتيجة تنامي تنظيم الدولة الإسلامية، بينما تغيب عن انشغالاتهم، تماماً، قضايا شعوب كثيرة، تفتك بها المجاعات، والطغم الديكتاتورية الحاكمة، في بعض بلدان آسيا وأفريقيا.
عليك، إذن، وللأسف، أن تعمل على إثارة قلق المجتمع الدولي، بالمعنى الفعلي للكلمة، وليس الروتيني الذي طالما ساور الأمين العام للأم المتحدة، بان كي مون، وأن تفعل كل ما قد يؤرق ساسته، لكي ينتبهوا إلى معاناتك، أو يتيقظوا إلى ضرورة منع تفاقمها، قبل أن يصطلوا بنار نتائجها.
ووفق هذا الفهم، فإن تمسك القيادة الفلسطينية، طوال أكثر من عقد مضى، بخيار “أن تمشي الحيط الحيط وتقول يا رب الستر”، وفق المثل الشعبي الدارج، في مقابل اشتداد العدوان الإسرائيلي، وتغوله، وصولاً إلى صعود قوى اليمين الأشد تطرفاً إلى سدة الحكم في تل أبيب، قد أدى، مع عوامل أخرى، إلى تهاوي الصراع مع إسرائيل، من أعلى سلم الأولويات العربية والدولية، إلى أدنى درجاته.
لكنها قضية العرب المركزية، سيقول قائل، وهذا كلام ما زال يتردد، لفظاً، في الخطاب السياسي، من المحيط إلى الخليج، حتى بعد تَعدُد قضايا العرب، واقعاً، وتًشَعُبها، من سورية إلى اليمن، مروراً، بالعراق، وانهماكهم، جميعاً، بالحرائق المندلعة داخل أوطانهم، تاركين الفلسطينيين، عملياً، يحاولون حك جلودهم بأظفارهم.
صحيحٌ أن أثر الثورات العربية، وكذا أثر الثورات المضادة، على فلسطين، لا يزال موضع خلاف، بين من يرى في الربيع العربي مؤامرة كونية، ومن يعتقد بعكس ذلك، غير أن ثمّة ما يشبه الإجماع على أن التأريخ الفعلي لبداية سنوات فلسطين العجاف، في المحافل الدولية، يعود أساساً إلى “مبادرة السلام” التي تبنتها القمة العربية في بيروت، عام 2002، وردّت عليها إسرائيل، في حينها، بتحريك الدبابات لمحاصرة مقر الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الذي لم يستطع المغادرة إلى العاصمة اللبنانية، وتكفلت هيمنة النظام السوري، على الدولة المضيفة، بمنعه من توجيه خطاب، عبر الأقمار الصناعية، إلى نظرائه العرب.
كان النظام الرسمي العربي، في تلك الآونة، باستثناء عراق صدام حسين، على توافق واسع، ولا تنابذ بين غالبية زعمائه الذين آثروا، معاً، الدفع من حساب فلسطين، لإسكات دعوات الإصلاح المتعالية من واشنطن.
أما وأن الدنيا تغيّرت، وماتت “مبادرة السلام” بموت عرفات، غيلة، ثم مات صاحبها ولي العهد السعودي آنذاك (الملك لاحقاً) عبد الله بن عبد العزيز، وانقسم الباقون على قيد الحياة، من ذويها، فإن رفع جثتها من الطريق، ودفنها، صار واجباً على القادة العرب، باعتباره ضرورة ملحة، قبل السير في مشوار طويل، يتطلب من القيادة الفلسطينية، ابتداء، وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإنهاء الانقسام، كما يقتضي صياغة مبادرة عربية بديلة، تقوم على مواجهة الاستيطان وكبح التهويد، لا سيما في القدس، و.. (أكاد أقول) دعم المقاومة، على الرغم من علمي بأن ذاك، في العرف الدولي، خط أحمر، وما عاد يقربه، بالفعل، لا بالشعارات، إلا قلة نادرة من قادة العرب.
العربي الجديد _ وطن اف ام