تستضيف حكومة السيسي العسكرية مؤتمرا للمعارضة السورية في نهاية الأسبوع الأول من شهر حزيران القادم. الأمر المؤسف والمحير هو قبول بعض الشخصيات المعارضة المشاركة في هذا المؤتمر. السؤال الذي يراودني وربما يراود الكثيرين في سورية وخارجها يمكن طرحه على النحو التالي: كيف يرضى معارض سوري يسعى إلى إقامة نظام سياسي يقوم على أسس الحرية والمساواة والشراكة السياسية بين أبناء الوطن حضور اجتماع يعقد تحت رعاية حكومة تقود ثورة مضادة ضد الربيع العربي ومسيرة الحرية والكرامة في مصر وسورية؟
ادعو جميع الأحرار إلى رفض الالتقاء تحت رعاية ثورة مضادة تسعى إلى إعادة الشعب المصري إلى أحضان النظام العسكري الذي رفضه الشعب المصري في 25 يناير 2015. فالقاهرة اليوم ليست المكان المناسب لالتقاء قيادات تمثل ثورة على الاستبداد والظلم والتعسف القضائي. نعم القاهرة التي يستهدف فيها مواطنون مصريون بناء على مواقفهم السياسية، وتستباح فيها أرواح المعارضين للسياسات التعسفية والقمعية، غير قادرة على استضافة مؤتمر يهدف إلى محاربة الاستبداد والتعسف. عنف الدولة واحكام الإعدام التعسفية وسياسة تكميم الأفواه، وهي ممارسات تحرج اليوم حتى القوى التي دعمت الانقلاب العسكري، يجب أن تتوقف وتعود مصر لمتابعة مسيرتها نحو الحرية والمسائلة والديمقراطية، لكي تعود القاهرة مركزا تجتمع فيه القوة الداعية إلى تحرير الإنسان العربي من الخوف والجهل والفساد.
المسألة لا تتعلق حصرا بالواقع المصري الداخلي، كما أن رفض مشاركة المعارضين السوريين في مؤتمر القاهرة لا يتعلق بالانتصار لجهة سياسية في مصر ضد جهة أخرى، فالمصريون هم أولى بالتعاطي مع قضاياهم السياسية. لكن على المعارضة السورية أن ترفض استضافة مؤتمرها من قبل دولة تريد أن تتحكم بقرار الثورة في تحديد من يحق له المشاركة في مؤتمراتها. نعم المسألة لا تتعلق حصرا بقمع حكومة السيسي لجماعة الإخوان كما يريد البعض أن يصورها، بل قمعها كل الأصوات الحرة التي تنتمي إلى التيارات الرافضة لحكم العسكر واستبداد الدولة. القائمة طويلة تشمل قيادات ليبرالية واشتراكية وشخصيات ديمقراطية مثل أيمن نور ومحمد البرادعي وأحمد ماهر وغيرهم.
حكومة السيسي سبق أن رفضت إعطاء تأشيرة دخول للمشاركة في مؤتمر المعارضة الذي استضافته القاهرة العام الماضي للعديد من المعارضين السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ومنهم سياسيون ذو توجهات ناصرية عروبية، مثل خالد الناصر، الأمين العام للتيار الشعبي الحر، وهشام مروة نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري. أضف إلى ذلك أن النخبة الحاكمة في مصر أظهرت موقفا متعاطفا مع نظام الأسد لا الثورة عندما لعب وزير خارجيتها، بالتعاون مع أمين عام الجامعة العربية، دورا رئيسيا في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الكويت العام الماضي لتعويم قرار اتخذه الرؤساء العرب في الدورة السابقة في الدوحة يقضي إعطاء المعارضة مقعد سورية.
عندما تظهر القيادة المصرية رغبتها في التحكم بالثورة السورية وحرفها عن أهدافها الوطنية، والتحكم باختيار قياداتها، فهذا يكفي لرفض المعارضة السورية استضافة القاهرة لمؤتمرها والبحث عن مكان آخر مناسب لعقده. الأماكن المناسبة لعقد الاجتماع كثيرة فلماذا القاهرة؟ لماذا لا تعمل اللجنة المنظمة على تنظيم الاجتماع في مكان آخر، كتونس التي شهدت أولى نجاحات الربيع العربي؟
ليس العتب على النظام المصري الذي يسعى إلى تشكيل معارضة سورية تتناسب مع توجهاته الإقليمية بانتقاء الشخصيات التي يرتضيها، فهو بطبيعته الفئوية يفعل ذلك بمواطنيه فيطلق العنان لمن يروج لهيمنة النخبة الحاكمة وقمع المعارضين السياسيين ومصادرة حرياتهم. العتب كل العتب على المعارضين السوريين الذين يقبلون حضور مؤتمر القاهرة في مثل هذه الظروف، ويرضون تحكيم النظام المصري بهوية المشاركين وتوجهاتهم، وهم يرون طريقة تعامله مع ممثلي الثورة السورية وتطلعات الشعب السوري.
من يُفشل مسيرة الحرية والكرامة والمشاركة في وطنه سيعمل على إفشال أي مسيرة مماثلة في العالم العربي!
وطن اف ام