مقالات

محمد رمضان : سجن تدمر وأسئلة ملحّة

عد سجن تدمر المركزي من أسوأ السجون في المنطقة العربية والعالم، وتمّ بناؤه في ستينيات القرن الماضي، في منطقة صحراويّة وسط سورية، بالقرب من مدينة تدمر الأثريّة، وكان مخصّصاً للعسكريين، قبل أن يستلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد الحكم، حيث زج معتقلي الرأي فيه، وصمم فيه أفرعاً لتعذّيب السُجناء، بإشرافٍ مباشر من الشرطة العسكرية والاستخبارات.

تعرّض السجناء في السجن المذكور إلى سبعِ مجازر، أوّلها في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إثر محاولة اغتيال فاشلة بحق حافظ الأسد، فارتكب مجزرة مروّعة في السجن، راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، برعاية من شقيق الأسد المنشقّ عنه فيما بعد، رفعت الأسد، الذي كان مسؤول سرايا الدفاع في تلك الفترة، في ظل تكتم السلطات السورية على تلك المجازر، من دون ذكر أسماء الضحايا الذين تم دفنهم في الصحراء، على الرغم من المطالب المتكررة من منظمات حقوقية بالكشف عن مصير أولئك المعتقلين.

ولا تُنسى حالات أخرى، كالحريق الذي اندلع في سجن الحسكة المركزي، شمال شرقي البلاد، في تسعينات القرن الماضي، وراح ضحيته غالبية السجناء الكُرد آنذاك. مع وراثة الأسد الابن السلطة، في بداية العام الألفين بعد وفاة والده، ذكرت منظمة “هيومن رايتس وتش”، في تقريرها، إن بشار الأسد حمل بلداً مثقّلاً بملفات وانتهاكات حقوق الإنسان، وعلى الرغم من ذلك ازدادت وتيرة العنف في البلاد، وحصلت حالات مشابهة لما جرى في سجن تدمر، بعد اقتحام سجن صيدنايا المركزي في ريف دمشق، والذي حصلت فيه مجزرة على خلفية عصيان مدني داخل السجن، كان السجناء يطالبون بتحسين أوضاعهم، فجاء الرد عسكرياً، وكان أغلب الضحايا من الإسلاميين إلى جانب كردي إيزيدي كان ناشطاً في حزب يكيتي الكُردي المحظور في سورية.

مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مدينة تدمر، بما فيها السجن المركزي، بدأ تخوّف عام على مصير أكثر من 20 ألف معتقل داخل السجن، ما يزال مصيرهم مجهولاً، فيما الشكوك والمعلومات تفيد بأن النظام لن يتخلى عنهم، مع الأخذ بالاعتبار إبقاءه على السجناء اللبنانيين الذين تم خطفهم من لبنان في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (منذ 35 عاماً). والسؤال هنا: لماذا تم التكتم، كل هذه السنوات، على مصيرهم. وهو سؤال موجه للسلطات اللبنانية والمنظمات الحقوقية المعنيّة بالأمر. وأين هي لائحة أسمائهم، وقد مرت عقود على خطفهم من المخابرات السورية.
اللعبة مكتملة، فإبقاء النظام على مجندين لا حول لهم ولا قوة قرابين التقارب مع داعش، ليفترسهم الأخير على أنهم (حماة النظام النصيري)، فيما كان الإبقاء على اللبنانيين ليكونوا ورقة ضغط وابتزاز للتنظيم الذي يحتجز معتقلين من رفقائهم في لبنان، فهؤلاء ورقة المقايضة، أو لهم مصير من سبقوهم من الضحايا اليابانيين أو الطيار الأردني، معاذ الكساسبة.

مارس النظام السوري، منذ تسلمه سدة الحكم في سورية عبر حزب البعث، القمع الكثير الذي طاول البشر والحجر أيضاً، في ظل الصمت الدولي حيال كثير من هذه الحوادث، منها إحراق سجن الحسكة، ومجزرة تدمر، ومجزرة سجن صيدنايا، كما ذكرت آنفاً، وأمعن في إذلال الشعب السوري من كل مكوناته. فهل يبدو أن الآثار باتت أهم من معتقلي الرأي، ومن دم السجناء السوريين، لكي تتخوف المنظمات الدولية على مدينة تدمر الأثرية، من دون أن تتطرق لمصير عشرات آلاف السجناء هناك؟

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى