مقالات

عدنان عبدالرزاق : ليتني مولاكم للقاء تلفزيوني فقط

لا طاقة لي، مهنياً أو وطنياً، ولا حتى إنسانياً، كي أخوّن أو أتهم بالعمالة أحداً أو أوزع شهادات الوطنية يمنة ويسرة، حتى وإن دلّ البعر على البعير كما قالت العرب، بل اعتدت، وأحاول ضمن استعدادي المكتسب لأفعالي المتكررة، أن أجد للآخر تبريراً لأدائه وكلامه وحتى مواقفه، وألا أحكم وأقيّم رغبوياً أو وفق مفهوم نفعي.

فإن كان للشرط الذاتي دور فللظرف الموضوعي وتبادل المصالح أدوار، في جل ما نقول ونفعل، وهذا بدهي في علم السياسة، على عكس مبدأ الغباء الذي يقول بثبات المواقف والآراء، كما روّج حكام سوريا البعثيون، من المناضل أبي عبدو وصولاً للرمز بشار وما بينهما من أبطال حزيران والتشرينيّن.

قصارى القول: خرج على الإعلام أخيرا، ساسة ورجال أعمال ومؤسسو قواعد ودول وإمارات وقمم، وثمة تشابه بالذهنية وطبقة الصوت وإيماءات الجسد، لجهة ما سيحل بالكفرة الفجرة، في الدولة الإسلامية أو خارجها، عبر ظهور أئمتنا وساداتنا، بمن فيهم من يرى في الفاروق عمر مرجعه وبرفيق الحريري حلمه ومن يسعى ليكون أتاتورك سوريا، ممن سينقلون سوريتنا من ظلام الكفر والديكتاتورية إلى أنوار الإيمان وتطبيق شريعة الله بدل القوانين الوضعية التي استمدها الحكام المرتدون من دول كافرة.

من يراقب توقيت ظهور الأفاضل لجهة انتصارات ثوار المعارضة ومجاهديها، ومستوى الأمل الذي كاد يتلاشى بدواخل السوريين، فضلاً عن سد الذرائع لدى أصدقاء سوريا، يلحظ ربما الفارق بين ما قبل ظهور القادة وما بعده، ولجهة تلاشي الأمل وزيادة التشرذم بين فئات السوريين وعودة النظرة المشوهة من عالم خارج سوريا للثورة والسوريين، وأيضاً تكريس مقولة الأسد “أنا أو هؤلاء” .

ما يدفع للسؤال وليس للتشكيك وسوء الظن، بتوقيت الظهور أولاً وبما قاله المحاور معه أو الخطيب ثانياً، وهنا لا مجال يتسع لدحض الأقوال وبرهنة عكس الادعاءات، إن من قبيل أن سكان هذه الأرض سوريون قبل كل صبغة روحية وقومية، وأن الشعب السوري خرج لنيل الحرية ولم يكن لديه مشكلة مع الله وطريقة عبادته، أو المماحكة فلا إكراه في الدين وأن الله جلت قدراته، لم يمنح وكالة حصرية عنه لأحد، لأن في فتح تلك الأبواب مجالا رحبا للتأويل والتفسير وتعميق الخلاف الذي سيصل لا محالة للتكفير والاتهام بالردة والتخوين.

نهاية القول: خطر لي لو أني من أتيحت له فرصة الاعتلاء على المنبر وهو يعلم أن مئات الملايين تنتظر ما سيقول، وأضعافهم ممن فاته البث الحي، سيشاهدون التسجيل، ويتفرغ من يهمه الأمر للتحليل والفك والتركيب، أو أني ممن سيحقق به ومنه إعلامي أو وسيلة، سبقاً صحافياً ينتظره أيضاً كمن ينتظر خطبة الجمعة.

لو كان لي ذلك، لبدأت قولي، بعد الحمد والبسملة، يا أيها الناس، عملاً بقوله تعالى “إنا أرسلناك رحمة للعالمين” ولم أخص المسلمين فحسب.

ولقلت فيما يمكن أن أقول: طبعاً بعد ظهور وجهي وجسدي واستشارة أصحاب التخصص والخبرة بسروالي ولون ثوبي وربطة عنقي ولغة جسدي، أحاول معكم وليس التجريب بكم، لننتقل من الظلم والاستبداد، إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فالله خلق الناس أحرارا ولا نقبل لكم الذل والعبودية، كما لا نسمح بسفك الدم وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

وربما كنت أقول: هذه الأرض لكل من عليها وليس لأحد أن يدعي ملكيتها أو التحكم بمصائر أهلها، فالكل سواسية أمام القانون، ولكل منا على حسب ما يقدم في إعمار الأرض ورفاهية من عليها وإحقاق الحق، وعلى الجميع..

ولا يصيبكم مني الدهشة، إن مددت يدي ولو تلميحاً، لليساريين واليمينيين، العلمانيين والوجوديين، المقيمين منهم والمغتربين، وقد يخطر لي وأرتجل أني لست طالب عز وجاه وسلطة، وقد أعدكم على الهواء مباشرة أني سأطبق العزل السياسي وليس لمن تبوّأ موقعاً خلال الثورة، أو تأسيس الدولة، الحق في إشغال منصب بعدها.

هنا، قد يسأل قارئ: أأنت مجنون لتجنح إلى هاهنا، بل وتشير على من جاء لتطبيق شريعة الله أو من يدفع الأموال ويدعي الوطنية، وإن عبر العزف على الطائفية، أن يحرق ماضيه ويشكك بحاضره ليقتل مستقبله؟.

أرد وعلى نحو سياسي، ربما فيه من خديعة الحرب وحتى التقية الكثير: لماذا أظهر أصلاً وأخاطب الجمهور، أليس لأخلص السوريين من بلواهم وأعزز دوري وأزيد شعبيتي وأقنع خصومي قبل مؤيديّ، بمشروعي.

إن كانت الإجابة نعم، وهي من المفترض أن تكون كذلك، فمن خلال الرحمة والمحبة والحرية والمساواة بين الناس، يمكنني أن أصل لما أبتغي، حتى من خلال الصناديق التي يطالبني بالاحتكام لنتائجها الآخرون، وعندما أصل فوقتها يحق لي ككتلة برلمانية فائزة أن أشكل الحكومة وأحكم وقتها بالشريعة التي تناسب الأكثرية، وليس في ذلك خروج حتى عن الديمقراطية ومضمون الأديان كل الأديان.

أما إن كانت الإجابة لا، فهذا يؤخر سقوط الطاغية أولاً، ويدلل على أن ظهوري ليس لزيادة شعبيتي ولا لتحقيق طموحات الشعب، بل لأكرس مفاهيمي بشكل تخديري وأحتل موقعي بحد سيفي أو مالي …فوقتها، وعود على بدء، يحق لمن يشاء أن يتهمني بأني وحيٌّ يوحى حتى بالظهور والقول، وأ يصفني بصاحب مشروع تقسيمي وبالإقصائي والمخرب والجاهل والدخيل على السياسة والمتطفل على القيادة…والخائن لدينه ومَن مِن المغيبين قد صدقني أيضاً.

زمان الوصل _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى