مقالات

رانيا مصطفى : سوريا.. الحل السياسي المُبْهم

الحل السياسي هو ما سينهي الصراع المسلَّح في سوريا ضدّ نظام بشار الأسد، هذا متفق عليه منذ مؤتمر جنيف 1؛ لكن ماهيته وتفاصيله وتوقيته ما تزال مُبْهَمة.

لذلك فإن سقوط النظام غير وارد، هذا ما يعلمه الداعمون لجيش الفتح في الشمال، وللجبهة الجنوبية في الجنوب؛ وبالمثل فإن جبهة دمشق هادئة نسبيا، ولم تلقَ دعما من الدول الإقليمية المعنية. وربما منذ العام الماضي تم تسليم بعض المواقع في الغوطة الشرقية للنظام عبر بعض التسويات البائسة لهذا الغرض. وكأن تحييد المعركة عن دمشق هي القاعدة التي يبني عليها المتصارعون في الساحة السورية وداعموهم، والمجتمع الدولي برمّته.
فالحل السياسي يقول ببقاء جزء من النظام، وعقدة الأسد هي الخلاف الحاسم؛ وبالمثل تتزايد مؤتمرات بدعوة ورعاية الدول الإقليمية المعنية بالشأن السوري، من أجل إعداد الجزء الأخير من الحل السياسي، ولا يبدو أنه قد أُعدَّ أيضا. فهذا الجزء ليس رهنا لتوافقات المعارضة كما يُعلَن في وسائل الإعلام، بل هو رهن لتوافق الدول العظمى والدول الإقليمية. فروسيا مازالت تراهن على بقاء النظام، وهي تتمسك بالأسد مادام الحل غير مستعجل، وهي تحاول تحضير معارضة ترضى بذلك. والولايات المتحدة تُرجِئُ أمر سوريا، فهي ليست من أولوياتِها؛ بل أن أولويتُها في المنطقة هي الاتفاق النووي الإيراني، وإعطاء دور إقليمي لإيران في المنطقة، وضبط هذا الدور ضمن حدودها هي.

أما المملكة العربية السعودية فتريد إنهاء النظام، بسبب التوغل الإيراني في المنطقة، لكنها تتصرف ضمن الحيز الذي لا يستفز أميركا، رغم الخلافات بينهما بسبب تقارب أميركا مع طهران. في حين تهتم تركيا بعودة نفوذها إلى سوريا، وعينُها على الاستثمارات فيها، من بوابة دعم المعارضة بالعموم، والإسلاميين منهم بالخصوص.

ليس لدى الغرب والدول المحيطة بديل جاهز عن النظام يرضيهم، لذلك سيُبقون جزءا منه، مع بقاء هيكل الدولة الأساسي. هم جميعا شاركوا وعملوا على ألا يكون هناك بديل ثوري، فدعموا قوى أخرى فئوية ومرفوضة اجتماعيا، أي الجهاديين. لكنّ قتالها، أي تلك القوى الفئوية، للنظام مرهون بتحكم داعميها وتمويلها، كجبهة النصرة ومكونات جيش الفتح وهي إسلامية. وجيش الإسلام بالمثل، الذي يبدو أنه متحالف مع رجال الدين المنشقين عن النظام، والذين شكلوا رابطة علماء الشام، وهذا التحالف العصبوي يسعى لحجز موقع في الحل القادم. ولا يمانع هؤلاء من التصالح مع المؤسسة الدينية في دمشق، الداعمة للنظام الآن، فهي تمثل واجهة لتجار دمشق، الذين ما يزالون مستفيدين من سياسات النظام الاقتصادية الليبرالية الجديدة.

نظام ينهار بسرعة كبيرة أمام معارضيه، ومعنويات مقاتليه في الحضيض. لكنه ما زال يتلاعب بذكاء عابثا بالأوراق الموضوعة أمامه، وأولها تنظيم داعش، فقد ترك له مدينةَ تدمر، ما يعني أنه يفتح الطرق أمامه للتَّصادم مع المعارضين في الغوطة الشرقية والقلمون وريف حماه الشرقي، وربما يتخلى عن حلب بعد إدلب، ليتركَها تواجه داعش، وعن دير الزور، وبالمثل هو يستعد لترك درعا والسويداء، وهنا قد يقوى تنظيم داعش بعد تمدده في الشرق والشمال ويربك الجبهة الجنوبية في درعا. أي أن النظام سيقاتل الآن عبر داعش، بعد حزب الله والإيرانيين.

هو بذلك يربك الداعمين كذلك، الذين يحاولون إنهاء الصراع، حيث سيتفاقم خطر الجهادية في سوريا، وأيضا يضع أميركا أمام واقع جديد هو تمدد داعش على مساحة واسعة متصلة في العراق وسوريا، بعد سيطرة التنظيم على الرمادي. الولايات المتحدة تراقب داعش والنصرة، وتسدد ضربات تحالفها فقط عند الضرورة، أي هي لا تريد محاربة التنظيم، بل الاستثمار فيه، كما النظام؛ الآن هناك خطر من تمدده، لكن الخطر أيضا من إبقاء النظام يتلاعب بورقة داعش.

ربما سيلعب النظام أيضا بورقة الأقليات، وتحديدا في الساحل؛ حيث يبدو أنه سيتراجع إلى الساحل، ليضع السكان المحليين أمام خيار صعب، وهو حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، بعد أن اعتكفوا عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الفترة الأخيرة. لذا فقد أنشأ لواء درع الساحل، ودعا إليه المتخلفين عن الخدمة والبالغ عددهم سبعين ألفا؛ لكن لا يبدو أنّ سكان الساحل يثقون بالنظام وقدرته على تحقيق الانتصارات.

سيختلف الأمر إذا ما تعرضت تلك المناطق بالفعل إلى هجوم من جيش الفتح، حيث ستتحول تلك البيئات إلى مزيد من الشراسة في الدفاع عن وجودها؛ وسيأخذ الأمر شكلا مختلفا عن مواجهة جيش النظام بالنسبة إلى جيش الفتح؛ أي ستكون حينها معركة استنزاف لا جدوى منها، سوى المزيد من الخسائر البشرية.

جيش الفتح يدرك خطورة معركة الساحل، ويحاول تجنُّبها، وكذلك يفعل الداعمون، رغم التحريض الطائفي المستمرّ، والربط بين العلويين في الساحل والنظام؛ وهنا يصبّ خطاب الجولاني، زعيم جبهة النصرة، على قناة الجزيرة في سياق التهديد الطائفي أيضا، حيث تمثل النصرة حليف جيش الفتح في إدلب. لكن النظام ربما يعبث بهذه الورقة الأخيرة، ليقدِّم البيئات الموالية له في الساحل كاملة للدفاع عنه. وهو بذلك يفتح أمام الغرب ملفّ حماية الأقليات، ويريد أن يكون جزءا من الحل عبر تمثيل الأقليات. الأمر الذي قد لا يتمّ له، خصوصا أن السعودية وبقية الداعمين يسعون إلى تقديم شخصيات علوية معارضة ضمن ما يُعدّونه من مؤتمرات للمعارضة السياسية.

المعنيون بالحل السياسي غير مستعجلين عليه، طالما أنّ عبث النظام بأوراقه الخطيرة ستنتج المزيد من الدمار والخسائر البشرية؛ ولا يبدو أن البدء بتطبيق هذا الحل وتحديد تفاصيله وماهيته، خصوصا مصير الأسد وعائلته، سيتم قبل استنفاد النظام تدمير كل شيء بحربه العبثية هذه، وقبل إنهاء الاتفاق بشأن النووي الإيراني. وبالتالي الحل السياسي القريب والبعيد ما يزال مبهما، ويَترُك للنظام العبث في الوقت الضائع بما تبقى من سوريا.

العرب الللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى