مقالات

سمير السعداوي : أخيراً نجح أردوغان في عزل نفسه

حققت صناديق الاقتراع في تركيا ما عجز عنه المحتجون في ساحة «تقسيم» في إسطنبول قبل نحو سنتين، وهو كسر شوكة الرئيس رجب طيب أردوغان وتبديد حلمه في إقامة نظام رئاسي يتيح له احتكار السلطة.

لم يشكل تراجع «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، مفاجأة في أروقة الحزب، حيث كانت أجواء التوتر على أشدها أثناء الحملة الانتخابية، وكان كثيرون يعترفون بصعوبة تحقيق غالبية كافية للتفرد بالحكم، ناهيك عن تعديل الدستور لتلبية طموحات الرئيس.

وبحصول الحزب على نسبة لا تتجاوز الـ41 إلى 43 في المئة من الأصوات، وبالتالي من مقاعد البرلمان، عادت صيغة الحكم في البلاد إلى المأزق الذي كانت تعاني منه قبل نحو 12 سنة، أي حكومات أقلية ذات ائتلافات هشة. وهذه ضربة قوية بالنسبة إلى الرئيس التركي الذي حلم باستعادة أمجاد إمبراطورية بائدة، فإذا به يكتشف أن ثمة تصدعاً داخلياً كان ينبغي علاجه قبل خوض التحدي الانتخابي بطريقة «دونكيشوتية».

يقول المراقبون في الداخل التركي إن الناخبين صوتوا ضد سياسة أردوغان الداخلية والخارجية، وتفيد ارتدادات «هزيمته»، إذا صح التعبير، بأنهم كانوا على حق، خصوصاً في حكمهم على الوضع الاقتصادي الذي لطالما تغنت الحكومة بـ «متانته»، ليتبيّن بعد ظهور النتائج أن التراجع الحاد لليرة التركية أمام الدولار، يشي بعكس ذلك…

من البديهي أن الحزب الحاكم بصيغته الحالية، لن يفهم الدرس، والدليل، ظهور أحمد داود اوغلو، رئيس الحكومة والحزب معاً، مواصلاً نبرة التحدي غداة الاقتراع، وهو يعلم أن التكهنات تفيد بأن أردوغان سيحمّله مسؤولية الهزيمة تمهيداً للتضحية به.

ومما قاله داود اوغلو من على شرفة مقر الحزب الحاكم في أنقرة أمس: «يجب على الجميع أن يفهم أن حزب العدالة والتنمية هو الفائز وأنه زعيم هذه الانتخابات… وألا يحاول أحد بناء انتصار من انتخابات خسرها»… هكذا من دون أي اعتراف بتراجع أو وعود بإعادة النظر في سياسات، ما يغلق الباب أمام قيام أي تحالف حكومي جدي، ويفتح أبواباً لصفقات عسيرة ستضطر حكومة الأقلية العتيدة إلى إبرامها في البرلمان لتمرير أبسط القوانين.

وحتى لو سلمنا جدلاً بأن الحزب الحاكم لم يرتكب أخطاء تستحق هذا العقاب من الناخبين، فإنه يجب الاعتراف بأن أحزاب المعارضة استعادت موقعها عن جدارة، أقله من خلال نجاحها في توحيد صوتها، وتفادي الصراعات في ما بينها، وتخليها عن توجيه سهام النقد إلى بعضها بعضاً، وتركيزها على هدف واحد هو أردوغان.

وليس بالأمر الصعب استهداف الرئيس التركي الذي لم يجد ما يبرر بناء قصره «الإمبراطوري» في ضواحي أنقرة، سوى القول أنه اضطر إلى مغادرة مقره القديم بعدما غزته الصراصير! وهو تبرير قوبل بسخرية لا متناهية واعتبر ضرباً من ضروب الفكاهة التي ميّزت الحملة الانتخابية.
وسيتعين على أردوغان الذي يرفض العيش مع الصراصير، التعايش مع سيناريوات أكثر مدعاة للأرق الذي تمكن من تفاديه بقمع احتجاجات «تقسيم»، فما اعتبره كثيرون «ربيعاً تركياً» في حينه، قد يكون تسلل من نوافذ البرلمان، لينبئ بـ «خريف» قاسٍ للحزب الحاكم.

وخلال مسيرته السياسية، تمكن أردوغان من عزل كثير من الخصوم، بدءاً بقيادات الجيش العلمانية، وصولاً إلى فتح الله غولن، حليفه السابق الذي تحول عدواً لدوداً، وأقصى الرئيس التركي كثيرين من الشركاء خشية تحولهم منافسين محتملين، لكنه في النهاية قد يكون أتقن ذلك إلى درجة أنه عزل نفسه.

الحياة _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى