شكل مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، نقطة تحول سياسي مهمة في نشاط المعارضة طوال أكثر من أربعة أعوام مضت. والنقطة المحورية في أهمية المؤتمر، تكمن في أنه وللمرة الأولى ترسم المعارضة ملامح حل سياسي متكامل للقضية السورية في نص مكتوب ومعلن، شارك في وضعه وتدقيقه ممثلون عن جماعات وتحالفات وشخصيات مستقلة سياسية ومدنية وعسكرية من المعارضة، يتبنون خيار الحل السياسي ويدعون له.
وتظهر أهمية المؤتمر في الأمر الأول في أطروحته الأساسية في السعي نحو حل سياسي، وهو أمر يتوافق مع توجهات أغلبية السوريين الذين أدى الصراع المسلح إلى قتلهم وجرحهم وتغييبهم، ودمر حياتهم وقدراتهم وشتتهم مهجرين ولاجئين، كما ترك آثاره السلبية على المجتمع الدولي وبخاصة الدول المحيطة، التي صار لها حاجة للوصول إلى حل للأزمة، يوقف تدفق النازحين وعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم والحد من صيرورة سوريا مأوى ومولدا لجماعات التطرف والإرهاب، التي أطلقتها سياسات وممارسات النظام وحلفائه.
وسط تلك الاحتياجات الضاغطة. فإن قسمًا من المعارضة السورية، بدأ نشاطًا عبر اجتماع مؤسس في القاهرة في كانون الثاني (يناير) الماضي، وعبر يومين من النقاشات، تم التوصل إلى توافق ظهر في «نداء القاهرة من أجل سوريا»، ركز على السعي من أجل حل سياسي للقضية السورية، ترسم خريطته في مؤتمر يحضره ممثلون وأعضاء في التشكيلات السياسية والمدنية والعسكرية وشخصيات مستقلة، وهي مهمة أنيط القيام بها إلى لجنة منتخبة من جانب الحاضرين في اجتماع القاهرة، أثمرت جهودها عن إعداد وثيقتين للمؤتمر، أولها «الميثاق الوطني السوري»، والثاني «مشروع خريطة الطريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سوريا ديمقراطية».
وإذا كانت وثيقة «الميثاق الوطني السوري»، ركزت على الإطار النظري والسياسي لمستقبل سوريا باعتباره مرجعًا للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية، والإطار الذي يعتمد عليه في كتابة الدستور السوري الجديد بناء على قيم السلام والحرية والعدالة والمساواة. فإن الوثيقة الثانية ركزت في محتواها على الإطار السياسي والعملي للحل السياسي، ولا سيما في تأكيد الحاجة للحل وضرورته الموضوعية بالاستناد إلى المرجعية الدولية في التعامل مع القضية السورية، وأساسها بيان جنيف لعام 2012 وما أحاط بمؤتمر جنيف الذي انعقدت جلساته بداية العام 2014. ولا سيما الفقرة المتعلقة بقرار مجلس الأمن الدولي حول تشكيل «هيئة الحكم الانتقالية» بالرعاية الدولية، انتقالاً إلى تحديد طبيعة النظام السياسي الذي يشكل إطارا للعملية التفاوضية المؤدية للحل، والأساس في ذلك انتقال سوريا إلى «نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي»، يقوم على ميثاق وطني مؤسس، يركز على المواطنة والحقوق المتساوية لكل السوريين في دولة تقوم على القانون والفصل بين السلطات.
وركزت الوثيقة في جانب آخر على الخطوات، التي تسبق عملية المفاوضات وصولاً إلى هيئة حكم انتقالية، تهيئ البلاد وفعالياتها السياسية والمدنية والعسكرية للانخراط في العملية التفاوضية، تسبقها إجراءات أهمها وقف الصراع المسلح لجميع الأطراف القابلة للدخول في الحل، ووقف دعم الجماعات المسلحة، وإخراج المقاتلين غير السوريين من البلاد تحت طائلة المسؤولية الجنائية، والبدء في إطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين، وتهيئة ظروف عودة المشردين واللاجئين إلى بيوتهم، وتوفير أسس لتطبيع حياتهم، والسماح بدخول الإغاثة والإعلام إلى كل المناطق، وعودة المعارضين المقيمين في الخارج، وضمان حرية النشاطات والتجمعات السلمية .. إلخ»،.
وتفتح هذه الإجراءات باب الاتفاق بين ممثلين عن النظام والمعارضة للتوصل إلى اتفاق على هيئة الحكم الانتقالية في غضون شهرين.
وسيكون على هيئة الحكم الانتقالية من خلال صلاحياتها الكاملة وعبر الهياكل التي تمثلها، المضي في إجراءات أساسية في المرحلة الانتقالية، والمحددة بعامين.
وإذا كان من المهم في خريطة الطريق رسمها معالم الحل السياسي، فإن من المهم أيضا، أن الخطة تضمنت تأكيدًا على ضرورة الدعم الدولي القوي والفعال من جانب الأمم المتحدة والقوى الدولية والإقليمية للخطة، وخاصة في وقف دعم قوى الحرب والإرهاب في سوريا وإخراج المقاتلين الأجانب منها، وفي رعاية عملية إعادة الإعمار وتطبيع حياة السوريين أو استعادتهم لحياتهم الطبيعية بعد كل ما عانوه.
المصدر : الشرق الاوسط