مقالات

أحمد عمر – الوراثة و”الترويس” والعتريس

السهولة التي تم بها أول توريث جمهوري في العالم من غير ألم، ومن غير معلم، وفي خمس دقائق كان في سورية. كان ذلك معجزة أو .. عجزاً. كارثة أن يحول شخص واحد نفسه إلى إله، وشعباً كاملاً إلى مستعبدين. هي معجزة بشكل ما؛ ملكية وطن بشعبه مع طابو أخضر!

أعتقد أني، وجميع الخلائق العاملين في الأرض السورية، كنا نعمّر وثائق واستبيانات، كل فترة، نوقع عليها كاتبين أسماءنا، وأسماء أقربائنا؛ الإخوة والأعمام والأخوال والجدات، واتجاهاتهم السياسية. أقربائي: حياديون إيجابيون، باستثناء الأخوال والأجداد؟ وقد وقع لي حادث مرعب وطريف، ذلك أنّ المخابرات استدعتني غاضبة إلى فنجان قهوة، لأني تركت أحد الفراغات في امتحان تلك الوثيقة الدوري شاغراً وخالياً من غير تعمير. فرحت إليهم في ديارهم، مضعضع الجأش، واهن القوى، وعشت يوماً أسود قمطريراً، ودار حوار على أنغام سيمفونية الخوف تحت سقف الزيزفون بيني وبين الفدان المحقق: كيف لا تعرف اتجاه أخوالك السياسي؟
كان يمكن أن أجيب أجوبة كثيرة. لكن، هذه المرة شئت الصدق، فقلت: العلاقات مقطوعة بيني وبين أخوالي.

– قطيعة كاملة. ألا يزورونكم في العيد؟

هنا كدت أبكي: لا يفعلون، لا في العيد، ولا في غيره

– ألا يمكن أن تعرف اتجاهاتهم السياسية من خالاتك؟

– أيضاً العلاقات مقطوعة مع الخالات، وعماتي متوفيات، أما جدي فلم يكن في زمانه أي حزب غير حزب “تركيا الفتاة”، وحركة الأمير فيصل.

فنظر إلي نظرة تخوينية، تتهمني بالفساد وقطع الأرحام، وكاد أن يشتمني: “.. أختك على أخت أخوالك”: ليش؟

– مقطوعة من جهتهم. هم إخوة غير أشقاء للسيدة الوالدة المرحومة، ويبدو أنه خلاف إخوة.. أعداء، على الميراث.

هنا أخفيت عن “الفدان” أمراً لا يهم أمر الوطن ولا أمر إسرائيل، فالسبب كان مأساة عائلية يطول سردها، لا علاقة له بالمواريث، فأمي توفيت، ولم يحضر جنازتها أحد من أقربائها، حتى أبوها حضر متأخراً. تلك حكاية أخرى، لم يكن ليفهمها “الفدان” ابن الفدان.

خلاصة القول إنّ النظام، طوال فترة حكمه، كان يؤمن بقرابة وعصبية الدم وخطرها، وقوتها، فإذا كان أحد أفراد الأسرة إخوانياً، فالعائلة كلها إخوانية حتماً مقضياً، وهذا غير صحيح إطلاقاً، ففي العائلة الواحدة تجد اتجاهات سياسية متفرقة، بدليل أنّ “أبو لهب” كان “عميلاً” شيوعياً للمشركين، وذهب إلى النار التي منها جاء لقبه. ومات أبو طالب على “الحياد السلبي” شركياً، “الحياد الإيجابي” إسلاميا، يعني: بقي على الكفر، حسب معظم كتّاب السيرة النبوية.

وصل، في أوائل الثمانينيات، جنرال من العاصمة إلى بلدتنا النائية، وهو الذي نسب إليه الصحفي البريطاني “البعثي”، باتريك سيل، معجزات عمرانية واقتصادية، السيد خليل البهلول، فانتظره أحد العمال النشطاء البعثيين الشرفاء، متسلحاً بوثائق كثيرة موقّعة. وبعد انتهاء الكلمات الاحتفالية بإنشاء مؤسسات الخراب والنصب والاحتيال، تقدم الناشط البعثي إلى الجنرال الذي نسب إليه باتريك سيل بناء سورية الحديثة، وقال: رئيس النقابة يؤثر أقرباءه بالوظائف والمكافآت، وهذه هي الأدلة. ثم انتظر الانتقام الذي سيوقعه الجنرال برئيس النقابة عقاباً نكالاً.

فقال له الجنرال، وهو يتهمه بقلة النخوة وغياب الضمير: من ليس له خير في أقربائه ليس له خير في وطنه!

مختصر القول: إن النظام “العادل” كما كان يورث المناصب: ابن الرئيس رئيس، ابن رئيس الأوقاف رئيس أوقاف، ابن مدير الشركة مدير.. كان يورث الجرائم، والتهم أيضاً. المنشار الجيد يقطع في أثناء الذهاب والإياب.

يعتقد كاتب السطور أن أول من ربط بين سورية والأسد سلاماً أو حرقاً، هو الشاعر المنافق الذي أنشد: سلاماً أيها الأسد/ سلمت ويسلم البلد.

ثم جاء من بعده من قال: خراباً أيها البلد/ الأسد أو نحرق البلد

المصدر : العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى