اليوم، تبدو الأمور بالغة الغرابة وسوريالية في العاصمة التركية. فالرئيس رجب طيب أردوغان، يترأس اجتماعات مجلس الأمن القومي، ويرفع لواء التدخل في الحرب بسورية. ولكن الجيش يقاوم هذا المشروع، على رغم الأوامر الحكومية الواضحة. وفي أوقات عادية، كان رئيس الأركان نجدت أوزال، ليُقال من منصبه ويحاكم بتهمة عصيان إرادة الحكومة السياسية. ولكن، يبدو أن أحداً لا يشغله هذا العصيان، ولا حتى حلفاء تركيا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين حسبوا الى وقت قريب، أن تقييد نزعة العسكر التركي الى التدخّل في السياسة يذلّل كل المشكلات التي تحول دون بلوغ الديموقراطية التركية الذروة وعهدها الذهبي، ولم يدركوا أن العلمانية لا غنى عنها لإرساء الديموقراطية في مجتمع مسلم.
ويدرك شطر كبير من الأتراك، ومنهم أعضاء في «حزب العدالة والتنمية»، أن حمل الجيش التركي على دخول سورية قبيل محادثات تشكيل ائتلاف حكومي، يُرجح أن يغير سياسة أنقرة إزاء سورية – هو مغامرة خطرة. ودعا رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليجدار أوغلو، رئيس الوزارء أحمد داود أوغلو، الى ترجيح كفة المصلحة الوطنية والامتناع عن مثل هذه الخطوة (التدخّل في سورية). وأعلن داود أوغلو في نهاية الأسبوع، أن على الحكومة المنتهية ولايتها، الحذر إزاء التهديدات على الحدود، وهو مصيب. ولكن مشروع أردوغان يتجاوز حق تركيا في الرد على الأخطار الحدودية، وحدود التفويض البرلماني للحكومة للرد على أي انتهاك من الجهة السورية للحدود.
وأعلن أردوغان أن تركيا لن تسمح أبداً بنشوء دولة في شمال سورية، في إشارة الى إدارة ذاتية كردية على طول الحدود. ولكن ثمة حملة في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، توحي باحتمال تدخّل عسكري يستهدف «داعش» وقوات بشار الأسد، على حدّ سواء. وإثر طلب الجنرال أوزال من الحكومة إبلاغ النظام السوري عبر روسيا أو إيران، بأن مثل هذا التدخل ليس عدواناً على الدولة السورية ووحدة أراضيها، اتصل مساعد وزير الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو، بميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص الى الشرق الأوسط وأفريقيا. ولكن استقبال فلاديمير بوتين وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، في اليوم نفسه الذي دعا فيه أردوغان مجلس الأمن القومي الى الانعقاد، مفاده أن السياسة الروسية إزاء دعم النظام السوري لم تتغيّر.
وخطوة أردوغان السورية لا تتناسب مع مساعي داود أوغلو الى تشكيل ائتلاف حكومي مع كيليجدار أوغلو. واليوم (في 30 حزيران – يونيو)، تبدأ جولة من يومين لانتخاب رئيس المجلس التركي. والاقتراع يقال أنه تمهيد للائتلاف. وفي الأيام الأخيرة، التزمت وزارة الداخلية إجراءات «تصعيدية» وقاسية في مواجهة حوادث عامة، على غرار قمع تجمّع المثليين في اسطنبول، وإلغاء حفل شعبي لفرقة «غروب يوروم» اليسارية. وهذه المواقف والإجراءات تشير الى أن ثمة من يسعى الى الحؤول دون ائتلاف بين «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب العدالة والتنمية»، والتوجّه الى انتخابات جديدة على أمل أن يحصل الحزب الحاكم على عدد كاف من النواب يخوّله الحكم بمفرده. ولا شك في أن أردوغان يرغب في مثل هذا السيناريو، ويأمل في زيادة صلاحياته الرئاسية من غير تعديل الدستور، من طريق بروز حكومة موالية له في البرلمان.
المصدر : الحياة اللندنية