ككل دين سماوي، منع الإسلام “قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق”، وفي القرآن الكريم “من قتل نفسا بغير نفس، أو فساداً في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا”. من جانب آخر، جعل الإسلام “الأنبياء إخوة”، وكذلك المؤمنين.
وقال “المؤمن للمؤمن كالجسد المرصوص، يشد بعضه بعضا”. والمؤمن، هنا، ليس مسلماً بالضرورة، بل هو كل من جعله الدين الحنيف في مرتبة أعلى من مرتبة المسلم، حين قال في محكم كتابه العزيز: “قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، بل قولوا أسلمنا، ولم يدخل الإيمان إلى قلوبكم”. ليس المؤمن مسلماً بالضرورة، ومن المحرم دينيا قتله، وإن كان مؤمناً غير مسلم.
لاستكمال نظام الأمن والحماية الشخصي والفردي الشامل الذي أقامه الإسلام حماية للإنسان، مسلما كان أم كتابيا أم غير مسلم وغير كتابي، أقام الدين الحنيف نظام حماية جماعي، بأن حرم القتال خلال أشهر معينة من العام، ثم حرمه بصورة شاملة بين وضد المسلمين، بعد أن قامت دولته في أصقاع تقطنها أقوام مختلفة، وحدها الدين وجعل منها جسداً، سينزل به أشد الضرر، إن اقتتلت أطرافه أو تحاربت، أو تصارعت على مصالح جزئية، أو خاصة، لا تندرج في إطار مصالحه العامة، أو تتعارض معها. بالنظر إلى أن العرب هم مادة الإسلام، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه، فقد أقام أسيجة حماية حولهم، مثلتها الشعوب التي آمنت به ودخلت فيه، من شرق وجنوب شرق وغرب آسيا إلى جنوب ووسط إفريقيا، بينما حيدت دولته ما كان قائما بين أقوامها من تباينات وتناقضات، من خلال نظام مفتوح نحو الداخل، دمجها في المجتمع المسلم بصفته هيئة عامة، يتساوى أفرادها أمام القيم الدينية، أتاح لها، في الوقت نفسه، فرص الارتقاء المفتوح في مراتب السلطات الدينية والعسكرية والإدارية، والوصول إلى أعلى مواقعها، حاضنة أرضيتها وحاملها الدين محدداً وحيداً للقيم الناظمة لوجودها وعلاقاتها، يمنع أي تفريق أو تمييز بين مكوناتها، على أساس إتني أو عرقي أو جهوي أو ثقافي… إلخ، ويسمح بإقامة نظام على درجة رفيعة من التضامن والتفاعل، عبر عن نفسه في وصول قادة من غير العرب إلى أعلى مراتب الجيش والقضاء والحكم، ودفاعهم عن “دار الإسلام” باعتبارها وطنهم الأرضي الذي يعدهم إخلاصهم له، وتضحيتهم في سبيل الحفاظ عليه، ببلوغ وطن سماوي خالد هو مقصد كل مؤمن ومآله.
هذا النظام من الأمن الفردي والجماعي تستهدفه إيران، بافتعال معارك مذهبية ودينية في الساحة الإسلامية، وانتهاج سياسات أفضت إلى نشوب سلسلة من الحروب الأهلية بين المسلمين، دولا وجماعات ومذاهب، ومن يتابع معارك طهران ضد “الشيطان الأكبر”، أي أميركا، يجد أنها اقتصرت على الدول والشعوب الإسلامية وحدها، مع ما أدى إليه ذلك من طي صفحة التعايش بين المسلمين، وفتح حقبة من المذابح لم تتوقف مذ سيطر الملالي على السلطة، أنتجتها سياسات عدوانية صدرت الثورة إلى المسلمين باسم دينهم الذي احتكرت صحيحه وانفردت بتمثيله، وغلفت به سياسات ومصالح جزئية، قومية ومتشددة، تفرضها منذ ثلاثة عقود باسمه على المسلمين. بجعل مذهبها صحيح الإسلام، وباحتكار صحيحه لم يعد العرب مادة الإسلام، بل غدوا جهة يجب ردها إليه، من الضروري تركيز جهود إيران عليها في جهاد هدفه هدايتهم، قال حسن نصر الله، ذات يوم، إنه جهاد بين خير الحسين وشر يزيد، فهو، إذن، أبدي ومقدس.
تطوي سياسات إيران العربية صفحة السلام والإخاء بين المسلمين، وتزج بهم في معارك لن يفيد منها أحد غير شيطاني واشنطن وتل أبيب.
المصدر : العربي الجديد