ظهرت خلال أسبوع واحد ثلاثة تحركات عسكرية في المنطقة لا يبدو أنها بعيدة عن بعضها البعض. التعزيزات التركية شمال سوريا التي رافقتها تعزيزات مثيلة على الجبهتين الأردنيتين الشمالية والشرقية، على الحدود مع سوريا والعراق، والتحرك الثالث الذي أعلنت عنه إسرائيل بإنشائها قوات خاصة أطلقت عليها اسم أسود الأردن (أريوت هيردين) هي كتيبة مختلطة من الجنود والجنديات، ستعمل في إطار شعبة “البقاع” التابعة للقيادة المركزية في الجيش الإسرائيلي؛ حيث ستكون مسؤولة عن تأمين الحدود الشرقية.
ولم يخف قائد منطقة البقاع، العقيد أوفير هويوس، أثناء حفل إشهار الكتيبة، القول: “ربما ستكون هناك تغييرات في الحدود السلمية المستقرة والآمنة (مع الأردن). ستكون مهمة الكتيبة الاستعداد لكل تغيير وتطوير في المنطقة الشرقية، إلى جانب الحفاظ على الاستقرار الحالي، وهدفها الأول هو الدفاع”.
أما قائد كتيبة “أسود الأردن”، اللفتنانت كولونيل جوزيف بينسو، فقال: “تنتظرنا تحديات يومية طويلة ونتوقع استكمال عملية تغيير القوى في العالم العربي ومحيطنا القريب، والذي يؤدي بنا إلى حالة من التحدي اليومي في حماية الحدود الشرقية لدولة إسرائيل”.
من المؤكد أن تشكيل هذه الكتيبة كان استجابة لما تدرك إسرائيل أنه سيقع في المستقبل القريب. مما يعني بالضرورة أن متغيرات جدية ستقع، ربما أحد سيناريوهاتها توقع سقوط نظام بشار الأسد.
بعد أيام من الجدل في الأوساط السياسية في الأردن الرافضة لما قاله الملك عبد الله الثاني في عدة جلسات عن (المملكة الأردنية الكبرى) بعد توسع المملكة باتجاه سوريا حيث درعا وباتجاه العراق حيث الأنبار، تبنّى الخطاب الرسمي الأردني خطابًا آخر يتحدث فيه عن إقامة منطقة عازلة آمنة لحماية اللاجئين السوريين، وهو مرة أخرى خطاب يتقاطع مع نظيره التركي، في الشمال السوري.
لكن اللافت هنا أيضًا أن التعزيزات العسكرية الأردنية جاءت بعد يومين من إعلان الأردن عن اكتشاف مخطط إرهابي إيراني بعد أن ألقي القبض على جاسوس فيلق القدس الإيراني خالد كاظم جاسم الربيعي والإعلان عن نجاح الأجهزة الأمنية الأردنية في إحباطه.
رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور في مقابلته مع قناة “العربية” في 3 تموز 2015 نفى رغبة بلاده في التدخل عسكريًا في سوريا، لكنه في المقابل رحب بوجود منطقة عازلة بقرار من الأمم المتحدة!
تزامن هذا التصريح مع آخر، لكن على لسان مصادر رسمية أن المملكة لن تفكر في أي تحرك عسكري إذا ما استمرت الأحوال على ما هي عليه اليوم.
هذا يعني أنها ستتدخل في حال تغيرت الأوضاع على الأرض، سواء بسقوط الأسد أو بإحداث متغيرات عسكرية خطيرة على الأمن القومي الأردني، ومنها إعلان سيطرة “داعش” على درعا، والمناطق الحدودية المحاذية للأردن.
وينظر الأردن بتحسس شديد مع تسارع الحديث عن قرب وقوع متغيرات عسكرية في جنوب سوريا وفقدان نظام الأسد للمناطق المحاذية للحدود مع الأردن، وسيضطر الأردن للتدخل عسكريًا في حال سقط الأسد أو إذا صارت “داعش” على حدوده، أو أن تنجح قوات المعارضة السورية وعلى رأسها جيش الفتح.
ما يزال الأردن يمسك بخيوط اللعبة، ويتحكم بإيقاع الأحداث ميدانيًا، بما يضمن أمن حدوده، دون الحاجة للتفكير بتدخل عسكري مباشر، سيما أن الأردن يدرك في الوقت الراهن حجم وجود الدعم الإيراني اللامحدود للأسد، كما أن التعقيدات العسكرية في جنوب سوريا لا تدفع إلى توقع سيطرة داعش عليها، لكن ما يمكن أن يقع هو سقوط المناطق الجنوبية بيد المعارضة الإسلامية، المدعومة من حليفتها المملكة العربية السعودية، رغم فشل عاصفة الجنوب الأخيرة من تحرير درعا من قبضة النظام، خاصة وأن درعا تعني عسكريًا دمشق. ورغم دعم السعودية لهذه المعارضة؛ إلا أن الأردن يرى فيها خطرًا لن يقف صامتًا تجاهه.
وتبقى الحالة الوحيدة التي يمكن أن تدفع الأردن لتغيير مقاربته في سوريا هي انهيار الدولة السورية بشكل كلي، وسيطرة الجماعات الإرهابية على المناطق القريبة من حدوده، رغم أن ثمة من يهمس بأذن صانع القرار الأردني بأن تراجع الأردن عن سياسة تأمين حدوده الشمالية والشرقية غير وارد إطلاقًا؛ لكن التقدم خطوة تعني الدخول إلى قلب المعركة. ووقتها لن تكون سوى البداية للتورط في المستنقع السوري. وهذا لا يمكن التكهن به حاليًا.
المصدر : صحيفة التقرير