مقالات

برهان الدين دوران – رسالة تفجيرات سوروج

قُتل 30 مواطنا وأُصيب أكثر من 100 جرّاء الانفجار الإرهابي الذي تم تنفيذه أمام مركز عمارة الثقافي في منطقة سوروج التابعة لولاية شانلي أورفا، ألعن هذه الجرمية النكراء التي يُتوقّع وجود يد داعش خلفها كما أعزّي جميع عوائل الشهداء والجرحى في ذويهم وأهليهم.

تقييم هذا الانفجار فقط وكأنه مسألة متعلّقة “بضعف الإجراءات الأمنية” لن يجعلنا قادرين على رؤية المرحلة القادمة بمنظور واسع، من الواضح جدا بأن هذا الانفجار، الذي يشبه الانفجار الذي وقع في مدينة ديار بكر بتاريخ 5 يونيو أي قبل الانتخابات البرلمانية بيومين، سيكون مادة إعلامية جيدة للكثير من الأطراف المعارضة والمناهضة للحكومة، حتى أن بعض هذه الوسائل قد بدأ في العمل، فالكثير منهم حمّل الحكومة المسؤولية التامة وانتقدها بشكل حاد بدعوى “دعمها للإرهاب في سوريا”. يجب علينا أن نعي بأن هذا الانفجار استهدف مقرّبين لحزب الشعوب الديمقراطي لإفساد خطوات المصالحة الأخيرة التي تم إنجازها بين تركيا والولايات المُتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة، كما يمكن أن يكون هذا انتقاما داعشيا لقيام الحكومة بتاريخ 10 يوليو بإلقاء القبض على 27 شخصا متهمين بانتمائهم لداعش.

انعكاس آثار الحرب الداخلية في سوريا على تركيا لا يتمثّل بقدوم العدد الهائل من اللاجئين السوريين إلينا بل يتمثل بنقل أساليب الحرب الإرهابية القذرة مثل التفجيرات الانتحارية، وبات جليا الآن بأنه من الصعب جدا على تركيا حماية حدودها الشرقية والجنوب شرقية دون الاشتباك مع البي كا كا الذي يقدم الدعم المادي والمعنوي الواضح للبي يي دي في حربه ضد داعش، ذلك لأن دعم البي كا كا المباشر للبي يي دي جعل تركيا مسرحا  للتفجيرات الداعشية الإرهابية التي بدأ إنذارها بالأمس بعد تفجير سوروج، البي كا كا مازالت ترسل الآلاف من عناصرها للقتال في صفوف البي يي دي وهذا لن يجعل داعش تتغاضى عن الانتقام من تركيا وجميع مواطنيها دون استثناء.

كما إن هناك الكثير من المحاربين الأجانب الذين يأتون من أمريكا وأوروبا للانضمام لصفوف البي يي دي عن طريق استخدام تركيا للوصول هناك، هؤلاء الأجانب يتم تهريبهم لسوريا بواسطة حزب العمال الكردستاني “البي كا كا”، وداعش التي تعي جيدا دور البي كا كا في ذلك، وقد بدأت بالأمس بالانتقام من بعض عناصر حزب الشعوب الديمقراطي “الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني “البي كا كا” وحزب الحركة الشيوعية الداعم لحزب العمال الكردستاني في نهجه.

حاولت تركيا، في بادئ الأمر، تسيير تحركاتها ضد داعش بحذر شديد، وكان أكبر قلق يحيط بتركيا هو عدم الانزلاق للحرب الجارية في سوريا حتى لا تنتقل الحرب وخاصة الحرب الداعشية لداخل الحدود التركية، حتى من شدّة حذرها وقلقها من انتقال الأعمال الإرهابية إليها اتُّهمت بدعم داعش في كوباني وغيرها من المناطق من قبل القوميين الأكراد القاطنين في شرقها وجنوب شرقها.

سياسة تركيا الحذرة اليوم تجاه داعش حُشِرت بين مشبكين؛ الأول يتمثل بتمكّن البي يي دي من السيطرة على أقسام كبيرة من شمال سوريا بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجعل المسلحين الأكراد في سوريا وتركيا جيشا ضخما وقويا، ستتّضح قوة هذا الجيش بعد انتهاء الهدنة الموقّعة بين تركيا والبي كا كا بشكل رسمي.

أما الأمر الثاني فيتمثل بأن فاتورة الحرب الجارية بين داعش والبي يي دي تدفعها وستدفعها تركيا؛ إرهاب داعش يهيّج الحس القومي لدى الأكراد في تركيا ، وتركيا تحاول منع المواطنين الأكراد من الذهاب لمنطقة الحرب ولكن هؤلاء المواطنين يحاولون بشتى الطرق الذهاب لهناك والكثير منهم ينجح في الوصول، الأمر الذي يجعل داعش غاضبة وتريد الانتقام من تركيا.

تفجير سوروج يدعم فكرة البي كا كا التي تدّعي بأن الحكومة التركية لا تستطيع حماية المواطنين الأكراد في شرق تركيا وجنوب شرقها وعلى هؤلاء المواطنين التسلّح حتى يستطيعون حماية أنفسهم، وهذا ما دعا إليه زعيم حزب الشعوب الديمقراطي “الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني” صلاح داميرطاش حين قال “على شعبنا في الشرق وجنوب الشرق حماية أمنه بنفسه”  الأمر الذي يُضفي بعض الشرعية السياسية على التسلّح الكردي في تلك المناطق.

باختصار تركيا تحتاج إلى سياسة أمنية شاملة وأوسع من أجل توفير الأمن في جنوب شرقها ومن أجل منع تسلّل محاربي داعش إليها.

المصدر : ترجمة تركيا بوست نقلاً عن صحيفة صباح 

زر الذهاب إلى الأعلى