«تنظيم الدولة الاسلامية» يقرر، ليس وقف عمليات الذبح وقطع الرؤوس، وإنما التوقف عن بث هذه العمليات، و»الاكتفاء» باظهار التأهب للشروع في ذلك ثم الرأس مفصولا عن جسده!! مجرد عينة من مسرح اللامعقول الذي وصل إليه هذا التنظيم الذي يتساءل الكل تقريبا كيف بقي ويحيرون أكثر كيف تمدد. لقطات الجنون لم تقف عند هذا الحد بل وصلت الى ما هو أمر وأنذل: انتهاك براءة الأطفال بتوريطهم في هذا النوع من الجرائم فقبل أسبوع تقريبا أظهر تسجيل فيديو نشره التنظيم طفلا ممن يطلق عليهم «أشبال الخلافة» يقوم بعملية ذبح ضابط في الجيش السوري أسر في ريف تدمر الغربي. كانت تلك المرة الأولى التي ينشر فيها التنظيم تسجيلا يظهر عملية ذبـــح ينفذها طفل، بعد أن سبق له في الماضي نشر تسجيلات لأطفال يطلقون الرصاص لتنفيذ أحكام إعدام مختلفة.
القضية هنا ليست ما إذا كان هؤلاء الذين نفذ فيهم الإعدام يستحقون ذلك أم لا وإنما القضية الأخطر هي أن هذا التنظيم الذي أصبح يتصدر الأخبار في كل أنحاء العالم قد «قرصن» الإسلام واختطفه ليصبح هو من يدعي تمثيله. الأدهى أن أكثر من يجتهدون لإثبات أن لا علاقة للإسلام بمثل هذه الممارسات وبحالات الدم المسفوك مثله ظلما وعدوانا في عمليات إرهابية في تونس والكويت والسعودية والعراق وسوريا ومصر وليبيا والجزائر وغيرها من البلدان، هم زعماء الحكومات الأجنبية الذين يحرصون بحذر شديد على عدم الوقوع في فخ أن هذا التنظيم يجسد الإسلام وقيمه.
صوت المسلمين في التشهير بممارسات هذا التنظيم ما زالت ضعيفة وغير مسموعة و حالات الصمت قد تفهم للأسف رضا ضمنيا، وهي مرفوضة حتى وإن كانت من باب الخوف وأخطر إن كانت من باب عدم الاكتراث. الاكتفاء بالاشمئزاز والتنديد دون محاولة «فك الارتباط» بين هؤلاء والإسلام خطير على المدى القريب والبعيد بغض النظر ما إذا كان هذا الارتباط دعائيا أو حقيقيا طالما يوجد بين ظهرانينا من يوافق على مثل هذه الممارسات ولا يرى موجبا قويا للتشهير بها.
المشكل الآخر أن أغلب من ينبري من المسلمين في التنديد بفكر وسلوك تنظيم الدولة الإسلامية المشين ليسوا هم المؤهلين والأجدر أخلاقيا وسياسيا بمهمة من هذا القبيل،سواء لأنهم من علماء السلطان في كل المناسبات وكل القضايا أو لأنهم في موقع آخر مشبوه. فعندما تفعل ذلك على سبيل المثال إيران ومن يواليها في العراق وسوريا وهم من لا يرون غضاضة في أن يستباح دم المسلمين على يد أنظمة دكتاتورية مجرمة أو مجموعات شيعية من المنحرفين وشذاذ الأفق إنما تضعف تماما الخطاب المنتقد لممارسات «تنظيم الدولة» بل وقد تقويه على أساس المنطق الذي يقول إنه لا يفل الحديد إلا الحديد وأن إرهاب تلك التنظيمات المسنودة والمرعية رسميا في العراق وسوريا لا يواجهه إلا إرهاب مقابل وهذا بدوره لن يؤدي سوى إلى تأجيج الفتنة الطائفية وتلك مصيبة أخرى.
ما زالت أصوات علماء المسلمين في فضح ومحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية» ضعيفة وخجولة وهم إن برروا ذلك بالمنطق سالف الذكر يكونون قد وقعوا في محظور ديني آخر وهو أن شنآنهم لقوم ما ، سواء أنظمة الحكم لديهم أو تلك المجموعات الطائفية المسلحة المدعومة من طهران، جرهم إلى عدم العدل في الحكم على الأشياء خاصة وأن «تنظيم الدولة» لم «يبدع» فقط في القتل وإنما في ممارسات إجتماعية عديدة كان لا بد من التنديد بها حتى لا تلصق زورا وبهتانا بالإسلام الذي لا معنى لعظمته دون قيمة الحرية والمسؤولية الفردية والنهائية أمام الله تعالى يوم الحساب بعيدا عن القهر وحكم الناس كالقطيع لأن الله سبحانه لو شاء لجمع عباده جميعا على الهدى، كما ذكر القرآن الكريم في أكثر من موضع. من بين هذه «الإبداعات» مثلا ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية قبل أسبوع من أن ما يسمى بهيئة الحسبة الخاصة بطرح الفتاوى قد فرضت في الموصل ارتداء الخمار الاسود للمرأة المتزوجة والابيض لغير المتزوجة والازرق للمطلقة والاخضر للأرملة ليتسنى معرفة النساء في الشارع!
بإمكان الطيران قصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية وبإمكان الجيوش أن تعد العدة لضربها وبإمكان كل مخابرات العالم تعقب أنصاره وعناصره ولكن كل ذلك يبقى بلا معنى إذا لم يجرد المسلمون جميعا هذا التنظيم من رداء الإسلام الذي يتدثر به بلا وجه حق، بعد أن لطخه بكل ما ماهو منكر ومعيب. وعلى هذا المستوى الكل مقصر.
المصدر : القدس العربي