مع اقتراب التدخل العسكري التركي في سورية، أو بدئه بالفعل بشكل أو بآخر، وتحت أي ذريعة، داعشية أو كردية، يمكننا القول “لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”. لحظة ما فتئت تركيا تلوح بها منذ انطلاقة الثورة السورية، وبدء تدفق اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، هربا من بطش النظام. في تلك اللحظة، لم يكن هناك لا داعش ولا نصرة ولا غيرهما من الفصائل الإسلامية، المنتشرة كالفطر على الأرض السورية. كان الحراك مجرد غضب جماهيري، عبر عن نفسه على شكل تظاهرات عفوية بأحلام صغيرة، وقوبل بوابل من النيران.
منذ أربع سنوات ونيف، لم يتوقف نسج سيناريوهات نهاية المأساة، وكان للدور التركي الحصة الأكبر، مدعوما بمواقف الرئيس الحالي، رئيس الوزراء في حينها، رجب طيب أردوغان، الذي رفع السقف عاليا في مواجهة النظام السوري. سيناريوهات كانت المنطقة الآمنة أو العازلة، التي لا بد أن تقوم بها تركيا، جزءاً أساسياً من تحويل الشمال السوري إلى منطلق لاستكمال الثورة وإسقاط النظام، غير أن الأماني لم تتطابق مع واقع السياسة التركية، والتي كانت مرتبطة بحسابات داخلية وخارجية عديدة، دفعتها إلى إبقاء دعمها لوجستياً، حتى في الفترات التي كانت قذائف النظام السوري تطاول الداخل التركي، وتقتل مواطنين أو جنوداً أتراكاً.
حسابات ومعطيات دخلت عليها عوامل جديدة ساهمت في تعديلها، ورفع القيود التي كانت تحول دونها. العنوان اليوم للتدخل التركي المفترض هو تمدد “داعش” إلى الداخل التركي، وظهور بوادر كيان كردي جديد داخل الأراضي السورية، وهو ما بات يزعج حكام أنقرة. هذان العنوانان هما الأساس في الدخول التركي المباشر في الحرب السورية. عنوانان لا يمكن لتركيا، وغيرها من الدول الداعمة اليوم للتدخل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ما كانا ليظهرا لولا التعاطي السلبي للدول الإقليمية والغربية مع الملف السوري، وترك النظام يمعن في القتل من الشمال إلى الجنوب السوري.
لم يكن العنوان الداعشي ظاهراً قبل ثلاث سنوات، حين كان الأتراك يهددون ويمدون السوريين بأمل زائف بأن سنداً قوياً يقف معهم في مواجهة البطش، وأن إقدامهم على مواجهة قوات النظام وأعوانه سيكون محفزاً إضافياً لوصول الدعم الخارجي المنشود على غرار النموذج الليبي. التقاعس التركي، ومعه الموقف الغربي، يضاف إليه تغوّل النظام، عوامل ساهمت في تمهيد أرضية خصبة لنشوء داعش وأخواتها تحت أعين الجميع الذين بدأوا، اليوم، يعون مدى خطورة الوضع. وبالتأكيد، فإن تدخلهم لن يكون كرمى لعيون السوريين، بقدر ما هو وعي بأن الخطر بات يدق الأبواب التركية والغربية.
أيضاً العنوان الكردي الذي تتحرك تركيا، اليوم، على أساسه هو وليد وقوف أنقرة موقف المتفرج إزاء منح النظام السوري صلاحيات واسعة لقوات الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وفتح المجال له للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية وتصفية معارضيه، وهو ما تطور لاحقاً إلى نوع من الحكم الذاتي الذي أثار حفيظة الأتراك، ومعها أيضاً القوى الكبرى التي باتت تخشى على نفوذ حلفائها الأكراد في المنطقة.
بغض النظر عن الدور غير المباشر للأتراك، وغيرهم، في ما آلت إليه الأمور في الداخل السوري، وعدم التحرك إزاء مئات آلاف القتلى وملايين النازحين والمعتقلين، غير أن “تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”، ولا سيما إذا كان الهدفان المعلنان للعمل التركي يخفيان أهدافاً أخرى، ولا سيما العمل ضد النظام السوري، ومساعدة قوات المعارضة التي تثق فيها تركيا، عبر منطقة آمنة أو غيرها من المسميات التي ستجعل حركة المعارضة المسلحة أيسر. لا شك هذه آمال تراود ملايين السوريين الذين يرددون “هرمنا”، من دون أن يخفوا مخاوف من الوقوع في المزيد من الإحباط.
المصدر : العربي الجديد