“الخلافة قامت باذن الله وسوف نغزوكم كما كُنتُم تغزوننا وسوف نسبي نساءكم كما سبيتم نساءنا وسوف نُيتم أطفالكم كما يتمتم أطفالنا”- أحد مقاتلي داعش / فيلم “الدولة الإسلامية” إنتاج وكالة VICE البريطانية.
“يجب على كل بلد في كل جهة (من العالم) أن يتخذ الآن قرارا؛ إما أنكم معنا، وإما أنكم مع الإرهابين؛ ومن الآن فصاعدا، كل بلد يستمر في إيواء الإرهابين ستعده الولايات المتحدة نظاما معاديا”. جورج بوش من خطابه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
” إن عدم التسامح والتعصب يشكلان المرافق الطبيعي للعاطفة الدينية. وهما موجودان حتما لدى أولئك الذين يعتقدون بأنهم يمتلكون سر السعادة الأرضية أو الأبدية، وهاتان الخاصيتان موجودتان لدى كل البشر المنخرطين في جماعة ما، وذلك عندما يحركهم يقين ما أو اعتقاد ما” . جوستاف لوبون / سيكولوجية الجماهير.
– يرى المفكر الإسلامي طه عبد الرحمن في كتابه “الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري” أن:
” الأمة التي تحمل فكرا إثنيا شأن الأمريكيين منذ أحداث سبتمبر أمة وقحة، ووقاحتها لا تقف عند حد التصلب في فكرها كما في وقاحة الاستعلاء، بل تتعداه إلى إنكار حق الأمم الأخرى في الاختلاف الفكري، وتتحلى هذه النزعة الإثنية الجديدة في كونها تقابل بين “الذات الإرهابية” و”الآخر الإرهابي”.
وتنبني هذه المقابلة على أركان ثلاثة :
أحدهما ركن ديني; وهو عبارة عن المقابلة بين “الخير المطلق” و”الشر المطلق”، فتكون الذات الأمريكية خيرا مطلقا، ويكون الآخر الإرهابي شرا مطلقا، مما يجعل من (حرب الإرهاب) حربا صليبية تنتشر في المكان وتتمدد في الزمان وتتنوع في الوسائل والركن الثاني ركن سياسي; وهو عبارة عن المقابلة بين (الصداقة) و(العداوة)، فتصادق الذات الأمريكية من تشاء وتعادي من تشاء؛ ومن عادته فهو الآخر الإرهابي، ما يجعل من (حرب الإرهاب) حربا هجومية تستبق عدوانا خارجيا أو داخليا مفترضا.
والركن الثالث ركن عسكري; وهو عبارة عن المقابلة بين (الحياة) و(الموت).
وقد تكون هذه الطريقة الغربية الاستعلائية، الأنانية، الحشرية في شؤون الدول العربية من أهم الأسباب التي قد استخدمتها داعش، كحجة أساسية لتدعيم وجودها على الأرض عسكريا وبين الشباب العربي، فكريا.
– فكما صرح رمز من رموز هذا الفكر وهو عبد الله محمد في كتاب حديث نسبيا – صدر عام 2011 – :
” الخلافة الإسلامية هي المشروع السياسي الوحيد الذي سيعيد الاستقرار والأمن للمنطقة وهو المشروع الوحيد الذي سيحفظ ثروات الأمة من مؤامرات الدول العظمى وهو الوحيد الذي سيعيد قبلة المسلمين الأولى وغيرها من الأهداف الكبرى والمشتركة”.
وهو ما يتضح أكثر من خلال الرسائل التأكيدية بحسب جوستاف لوبون:
“عندما نريد أن ندخل الأفكار والمعتقدات ببطء إلى روح الجماهير، فإننا نجد أن أساليب القادة تختلف. فهم يلجؤون بشكل أساسي إلى الأساليب الثلاثة التالية : أسلوب التوكيد، وأسلوب التكرار، وأسلوب العدوى”.
وهذا أمر يظهر جليا في فيديوهات نجوم داعش “نحن قادمون يا روما”. صلى الله على من بُعث بالسيف والرحمة”. وأيضا عبر النظرات الحازمة والوقفات الثابتة وحتى في جر الضحايا وإجلاسهم أرضا على ركبهم إمعانا في إذلالهم.
وتكمن أهمية هذه الفيديوهات في اعتقادي، ليس فقط أنها من باب إرهاب العدو وبث الرهبة في نفوس عوام الناس من المسلمين والعرب، إنما في قدرتها على الإيحاء للشباب المتحمسين واستقطابهم عندما يرون هذه المشاهد الدموية التي تدغدغ الحلم الأكبر – وجود دولة عربية إسلامية لها كيان مستقل -، فيفتخرون بهويتهم لتخفيف الصراع الناجم عن الهوة السحيقة بين شخصيتين مزدوجتين أحدهما غربية، تقدمية والأخرى عربية رجعية.
سيما أن داعش بأفلامها السينمائية المتقنة; تخاطب الغريزة العدوانية لدى هؤلاء الشباب الذين يتجرعون الإحباط من فشل الثورات العربية والظروف الاقتصادية الصعبة، غير أن هذه الفئة تتميز بالرعونة والطيش الانفعالي.
وإن كنت أعتقد أن إحدى أهم الخلفيات الدينية التي تسهل قبول الفكر الداعشي في عقول هؤلاء الشباب، هو التدين المعيشي على حد وصف عبد الكريم سروش صاحب كتاب العقل والحرية والذي يرى :
“أن هذا النمط من التدين يتلخص في أن الإنسان يريد الدين لمعيشته ولخدمة حياته في حركة الواقع، والمثال الأبرز لهذا النوع من التدين المعيشي هو ما يقال من اتحاد الدين والسياسة، فالمتدين بهذه الرؤية المعيشية يرى الالتزام بالدين وتعاليمه لغرض بناء سياسة سليمة لنظام الحكم، فالمسألة في مواجهتهم لمقتضيات العالم الجديد هو أنهم يتفاعلون مع هذه المقتضيات بكل يسر وسهولة من خلال إطار التدين المعيشي، لأنهم ينزلون بكل هذه التعقيدات الفكرية والعملية الموجودة في هذا العصر إلى مستوى ساذج جدا” .
ويفسر ذلك الرؤية البسيطة لمشروع الخلافة الإسلامية، التي لا تحتاج أكثر من مجموعة مقاتلين مدججين بالأسلحة ونظام تكفيري صارم مع المخالفين. و أخيرا مبايعة أميرها الذي فرض عليها فرضا لا حسب نظام شورى أو برلمان شركي كما يؤمنون وينسون قوله تعالى :
(وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) الشورى – 38.
(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران – 159.
وأما كيف تعمل داعش على ترويض الفكر الديني الأحادي لدى أفرادها ذوي الخلفيات الفكرية والدينية والعرقية المتباينة، فيجيبنا جوستاف :
” عجز الجماهير عن التفكير المنفصل يحرمها من كل روح نقدية، أي من كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والخطأ، وبالتالي من تشكيل حكم دقيق على الأمور فالأحكام التي تقبلها ليست إلا الأحكام المفروضة من فوق، أي غير قابلة للنقاش.
وأيا تكن عبثية الفكرة التي يدافعون عنها أو عبثية الهدف الذي يطاردونه، فإن كل محاجة عقلانية تذوب وتتلاشى أمام قناعتهم الإيمانية والعاطفية. والاحتقار الذي يلقونه من الآخرين أو الاضطهاد لا يفعلان إلا أن يزيدا من إثارتهم وتهيجهم أكثر فأكثر، فهم مستعدون للتضحية بمصالحهم الشخصية وبعائلاتهم وبكل شيء إذا لزم الأمر وحتى غريزة حب البقاء تُمحى لديهم إلى درجة أن المكافاة الوحيدة التي يرجونها غالبا هي الاستشهاد”.
“العائلة آخر اهتماماتنا”
الجهادي أبو موسى / فيلم “الدولة الإسلامية” إنتاج وكالة VICE البريطانية.
” والجيد لنا في المرحلة القادمة أننا سنتمتع بمساحة من الحرية الإعلامية التي خلفتها الثورات العربية من الممكن ومنذ الآن اعتماد إستراتيجية بعيدة المدى تتضمن أدوات إعلامية متنوعة، يمكن تكثيفها على مدى 3 أو 5 سنوات أن تخلق حالة من القبول الفكري أو على أقل تقدير أن تجعل مشروع الخلافة الإسلامية قضية مطروحة عند رجل الشارع العادي إذا ما أراد مناقشة الحلول للأوضاع من حوله. وقد لا يقتنعون بحديثنا عن أساليب مدافعة العدو وتكتيكات تحييد أسلحته المتفوقة، ولكن الجدال يتوقف عندما نعطيه مثالًا حيًا (يقصد الدولة المصغرى) ونموذجًا ناجحًا فنقول له قد كان الاتحاد السوفيتي يمتلك نفس الأسلحة ثم نصرنا الله عليه” عبد الله محمد / المذكرة الإستراتيجية.
” فلكي تقنع الجماهير ينبغي أولا أن نفهم العواطف الجياشة في صدورها، وأن نتظاهر بأننا نشاطرها إياها ثم نحاول بعدئذ أن نغيرها عن طريق إثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي أو البدائي بين الأشياء”. جوستاف لوبون / سيكولوجية الجماهير.
المصدر : ساسة بوست