مقالات

بشير البكر – إسلاميو سورية .. فرصة للمراجعة

تلوح اليوم فرصة، قد تكون الأخيرة، للخروج من المستنقع السوري، وهي تتمثل في الاتجاه نحو إنشاء منطقة خالية من تنظيم “داعش” الإرهابي على خط الحدود التركية السورية القريبة من مدينة حلب. وليس سراً أن الذي قاد التفكير في هذه المنطقة هو تلاقي مصالح تركيا مع الولايات المتحدة، فأنقرة تعمل، منذ حوالى سنة، لانتزاع موافقة أميركية من أجل منطقة حظر طيران في الشمال السوري، ولكن واشنطن كانت تعطي الأولوية لمحاربة “داعش”. واليوم، جاء الأوان ليتفاهم الطرفان على ذلك.

وتريد تركيا من المنطقة الآمنة أن تكون مدخلاً لإسقاط الرئيس السوري، بشار الأسد، لكن الأهداف القريبة والمنظورة تكمن، أولاً، في وقف الاتجاه إلى إقامة كانتون كردي واحد، يمتد من نقطة التقاء الحدود العراقية السورية العراقية التركية حتى حلب. والهدف الثاني هو استيعاب اللاجئين السوريين الذين تكتظ بهم تركيا، ولم تعد قادرة على استقبال أعداد جديدة منهم. والمؤكد أن أنقرة لن ترسل جنودها لإدارة هذه المنطقة، وستكتفي بتأمين الحماية لها، وستديرها قوى سورية، ويدور البحث منذ أيام بشأن هوية الطرف العسكري السوري الذي ستوكل له المهمة، وترجح أوساط مطلعة أن الاتجاه العام هو إسناد هذه المهمة إلى حركة “أحرار الشام” التي تعد الأكثر اعتدالاً بين الفصائل الإسلامية التي تتقاسم النفوذ في المناطق التي باتت خالية من أي وجود لأجهزة النظام السوري.

ستكون هذه المنطقة اختباراً لقدرة الأطراف السورية المعارضة على إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وفي حال نجاحها، سوف يتم توسيعها لتشمل كل المناطق التي ستخلو من “داعش” أيضاً في شرق سورية. وفي حال فشلها، سوف تنسحب الأطراف الخارجية منها، وربما تنفض يدها من المسألة السورية نهائياً. وانطلاقاً من الوضع الراهن، ليست الآمال كبيرة جداً، والتفاؤل حذر إلى أبعد الحدود، لأن هناك مثالاً حياً ماثلاً للعيان، يتمثل بالإدارة السيئة لمدينة إدلب التي خرجت من سيطرة النظام منذ عدة أشهر، وصارت تحت سلطة فصائل عسكرية سورية، متمثلة بما يسمى “جيش الفتح” الذي يشكل عماده “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”. وفي حين يحاول “الأحرار” منذ فترة تقديم صورة مختلفة عنهم للرأي العام الخارجي، فإن “النصرة” لا تزال على خط تنظيم القاعدة، على الرغم من أن مؤشرات تبشر بأنها في طور الانقسام إلى تيارين كبيرين، واحد يقترب من “أحرار الشام”، والثاني من “داعش”.

تتصرف هذه الأطراف الإسلامية التي تحكم الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام، وفق قوانين وأنظمة لا تتماشى مع ما ينشده السوريون الذين خرجوا ضد النظام، يطالبون بالحرية والكرامة، وهذا لا يتحقق إلا عبر دولة مدنية ديموقراطية. وهي تتجاهل حقائق كبرى، فإذا كان الشعب السوري رفض حكم العسكر والمافيات الطائفية، فهو لن يقبل بحكم “شرعيي” الفصائل الإسلامية ورجال الدين. وإذا كان النظام على خطأ، فهذا لا يعني أن كل من وقف ضده على صواب، وإذا كان النظام من الماضي فذلك لا يعني أن “الشرعيين” هم المستقبل، ولأن الشعب ضد النظام، فهذا لا يعني تلقائياً أنه مع هذه الفصائل التي لا تمثل، في كل الأحوال، طموح الناس، ولكي تصبح هذه الفصائل طرفاً في المشروع الوطني عليها أن تحترم إرادة الأكثرية السورية، وهذا أمر لا يمكن التأكد منه، إلا من خلال صناديق الاقتراع.

تقطع المنطقة الخالية الطريق على الذين يلقون بمسؤولية الفشل السوري على المجتمع الدولي، ونجاحها مرهون بقدرة الإسلاميين السوريين على مراجعة مواقفهم، وتغليب مصلحة عامة الناس على الاعتبارات الأخرى. 

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى