كلما طال أمد المعركة في سورية كلما صعب الوصول إلى حل، كان هذا ما ردده الكثير حتى أسابيع قليلة ماضية، كان ازدياد عدد القتلى وتجاوزهم 200 ألف، وتجاوز عدد اللاجئين 10 ملايين سوري، ورمي إيران بثقلها في سورية؛ لأن خسارتها تعني خسارة الشريان الواصل بين طهران والضاحية الجنوبية، والأهم غياب الرؤية عند الإدارة الأميركية حول حل يقضي على الإرهاب ويضمن سلامة إسرائيل.
كان أداء أوباما براجماتياً غير مرتبط بالضرورة بما يقول، بل بلغ في أحيان عدة حد التناقض، هذا الأمر كان واضحاً منذ بداية فترته الأولى، إذ تكلم عن حق فلسطين في دولة، كحق وجود مساوٍ لدولة إسرائيل، وحتى على مستوى الأنظمة العربية فلم يوجه أي انتقاد لنظام مبارك وبن علي قبل قيام الثورة، بل كان أحد أهدافه تحسين صورة أميركا لدى العرب والمسلمين، عبر خطابه في تركيا نيسان (أبريل) 2009 وخطابه في جامعة القاهرة حزيران (يونيو) 2009. أهدافه أيضاً تمثلت في الحد من الانتشار العسكري في العامل، عبر وضع خطة لسحب الجنود من العراق في 2011، وسحب الجنود من أفغانستان في 2014، ولكن «الربيع العربي» كان تغييراً أكبر من المتوقع، ولم يضطر إلى التدخل عسكرياً إلا في ليبيا، وقد كان التدخل الأميركي على مضض بعد اقتراب القوات التابعة لمعمر القذافي من بنغازي، حيث كان التأخر في التدخل سيؤدي إلى مجزرة بشرية ووأد الثورة عن بكرة أبيها، ناهيك عن أهمية ليبيا كدولة نفطية، وعلى رغم ذلك رفض أوباما التدخل في ليبيا منفرداً، معتبراً أن أميركا ليست «شرطي العالم»، بل توقف التدخل عند إسقاط النظام.
في سورية كان الأمر أكثر تعقيداً، أولاً لأن سورية دولة جارة لإسرائيل وأي تحرك يضر بأمن إسرائيل، سيؤدي بالنتيجة إلى حرق أوراق أوباما داخلياً، بل وتعطيله في قرارات عدة يسعى لاتخاذها، ولاسيما أن تحسين الاقتصاد والرعاية الصحية كان أهم أهدافه، روسيا وإيران كانتا حجر عثرة وتسببتا في تعقيد الأزمة السورية، روسيا بسبب رغبتها في الحفاظ على معقلها الأخير على البحر الأبيض المتوسط، عبر قاعدتها في طرطوس، ولندم روسيا على التخلي عن معمر القذافي.
إيران كانت سبباً مهماً لإرجاء الحل في سورية، لحرص أوباما على إنجاز الاتفاق النووي، كحرصه على إعادة العلاقات مع كوبا، إيران من جهتها رمت بثقلها في سورية مع ازدياد الانشقاقات في الجيش السوري وخسارته المناطق تباعا، إما بمشاركتها شخصياً عبر قاسم سليماني والحرس الثوري، أو بالوكالة عبر حزب الله والسعي لحشد شيعة أفغانستان وباكستان باعتبارها كربلائية جديدة.
اليوم يتغير المشهد في سورية لأسباب عدة، أولها تحسن مستوى التنسيق بين معارضة الداخل، ولاسيما جيش الفتح، وإسقاط مناطق مهمة على رأسها إدلب، والاقتراب من المناطق العلوية على الساحل، كذلك انشغال جزء كبير من تنظيم داعش بالعراق، حيث كان من أهم معوقات نجاح الثورة، إذ كان يهاجم الجيش الحر أكثر من مهاجمته نظام بشار.
المتغير الرئيس في المشهد السوري، أتى بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان لروسيا، واقتراب الرؤيتين السعودية-الخليجية من جهة والرؤية الروسية من جهة، بعد إدراك الأطراف جميعاً أن الحل سياسي في سورية، وعدم اعتراض روسيا على القرار 2216 الخاص باليمن كان بادرة طيبة من روسيا، كما أن التنسيق السعودي-المصري كان ضلعاً مهماً في التفاهم مع روسيا. من هنا نجد فسحة من الأمل بعد اجتماع الدوحة المصغر، والذي ضم وزراء خارجية روسيا وأميركا والسعودية، وهو ما يعني رؤية واضحة قبلت بها أميركا أيضاً، وإمكان حل سياسي لا يسقط مؤسسات الدولة، ويضمن خروج عائلة الأسد من المشهد، وما يعطي مؤشراً إيجابياً أيضاً هو قرار مجلس الأمن حول استخدام الكيماوي في سورية والذي أقر بالإجماع، كأول قرار ضد سورية تصوت له روسيا.
المصدر : الحياة اللندنية