مقالات

عبد الله عرفان – الكل يتفاوض على سوريا إلا السوريين

لم يتبق سوى أن يطرح كل من لبنان والعراق مبادراتهما الخاصة لحل القضية السورية، بعدما طرحت كل من إيران وموسكو تصوراتهما وتفاعلت معهما السعودية والولايات المتحدة. وكأنما انفجرت ماسورة مبادرات بعد تقديم المبعوث الأممي دي ميستورا تقريره عن نتائج مشاوراته لمجلس الأمن معلنًا نضوب معين أفكاره.

فراغ دبلوماسي نتج عن فشل دي ميستورا، لكن هذا ترافق مع تصعيد عسكرى تركي برضى أمريكي قد يفضي في لحظة ما إلى خلق وضع جديد في غير صالح الأسد. هي التغطية الدبلوماسية نفسها للتغيرات في الميزان العسكري التي ما برحت تجتاح السوريين كل حين وآخر. طروحات قديمة في حُلل جديدة يُخفي تلاعبها كثافة التفاعلات وجَلبتها الفارغة. المثير في الأمر هنا، وهو أمر اعتدناه في الحقيقة، أن السوريين هم آخر من يعلم وآخر من يستشار حول مستقبل ثورتهم.

ينتظر العالم قرار مجلس الأمن بخصوص خطة دي ميستورا الجديدة التي سيبرر بها استمراره بالتشاور ثم التشاور. يقترح الدبلوماسي الإيطالي-السويدي ذو الحُلل الملفتة بشياكتها والنظارات المبهرة بأناقتها بدء حوارات سورية-سورية حول “قضايا” معينة، وكذلك تشكيل مجموعة “اتصال” دولية تستمر في التشاور حول سوريا. تصريحات المبعوث الأممي من الغموض والبساطة ما تترك الحليم حيرانًا حول مدى جدية مهمته، وتترك تساؤلًا كبيرًا حول ما تبقى من سمعة للأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية. حتى لا نستبق الأحداث، دعنا ننتظر ونرى ماذا يَقصد بالحوارات ومن هم السوريون الذين سيحاورون السوريين، وكذلك من هم أعضاء مجموعة الاتصال الدولية وما هي مهمتها.

بعد الاتفاق النووي وبدء الخطوات التركية نحو تنفيذ منطقة عازلة لم يقف الإيرانيون والروس مكتوفي الأيدي؛ فسرعان ما تسربت بنود المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية بعد التشاور مع نظام الأسد وروسيا. كانت بنود المبادرة هي وقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، تشكيل حكومة وحدة وطنية، كتابة دستور جديد يحمي الأقليات، وإجراء انتخابات باشراف دولي. لا جديد تحت الشمس، هذه بنود يعيد الإيرانيون تردادها من دون توضيح ماذا يقصدون بها. لكنهم على الأقل أكثر تفصيلًا من الروس الذين يدعون إلى موسكو 3، ويطلقون مبادرة أخرى محورها هو انضواء الجميع بما فيهم الأسد وروسيا نفسها في محاربة الإرهاب الأسود اللعين الذي نعرف نحن أنه الثورة، أو داعش. لا فرق لديهم فيما يبدو. لا يتحدث الإيرانيون ولا الروس للمعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي، هم فقط يتكلمون مع الأسد، ومع أنفسهم.

على هامش هذه المبادرات تجرى حوارات ولقاءات وتفاهمات تظهر السعودية والولايات المتحدة كأطراف فيها، لكن الملفت هو غياب المعارضة السورية مرة أخرى وكذلك الأتراك. عبرت موسكو عن رغبتها في حضور الأمريكيين لمؤتمر موسكو 3، لكن مع عدم التجاوب مع مبادرتهم الأخيرة بالتوحد أمام الإرهاب لا يُعرف ما هو مستقبل مساعيهم الحالية وهل سيطورونها أم لا. حول هذه الأمور وربما غيرها يتحدث اليوم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظرائه في موسكو. هذه الزيارة تأتي بعد زيارة محمد بن سلمان لبوتين الشهر الماضي، وبعد تسريبات عن دور روسي في عقد لقاء بين علي المملوك -رئيس جهاز الأمن القومي السوري- والسعوديين للتفاوض على عرض سعودي يقضي برفع الدعم عن الثورة مقابل انسحاب الإيرانيين من سوريا والمضي في خطة انتقال سياسي. لا حظ للسوريين في المشاركة أو الاستشارة  حول مضمون الطروحات في هذا المحور من التفاعلات أيضًا.

في بقعة أخرى من العالم دار جدل آخر حول مصير بشار الأسد حين كتب السفير فريدريك هوف مقالًا يوضح فيه أنه وإن كان الأسد لابد أن يذهب في النهاية؛ إلا أن وجوده لا يجب أن يكون عائقًا أمام بدء العملية السياسية. لو تم افتراض أن هذا هو التفسير الأمريكي الجديد لما يقصدونه بأنه لا مستقبل للأسد في سوريا، فهو قد يتلاقى مع تصورات سعودية تنتشر في الأفق أيضًا حول هذا المضمون وهو ما يقرب وجهات النظر الروسية والإيرانية والأمريكية والسعودية لأول مرة. لكن هل يعني كل هذا أننا أمام بدايات اختراق ما في الملف السوري؟ ليس بالضرورة. فما زالت كل هذه التصورات هشة وسطحية ولم تحز على رضا السوريين عبر أي عملية حوار حقيقية.

هشاشة التصورات وسطحيتها قضية قد يمكن التغلب عليها بتكثيف اللقاءت وجدية التنازلات بين كل الأطراف، لكن كل هذا لن يخفي حقيقة أن استبعاد السوريين من المشاركة في الحل لن يضمن لأي تفاهم دولي النجاح. لن يجانب أحد الصواب هنا لو قرر لوم التكتلات السورية على تشرذمها وفقدانها القدرة السياسية والفنية على قيادة أي عملية دبلوماسية تضمن لهم تحويل تطورات الوضع العسكري إلى نصر سياسي للثورة. إن استكانة السوريين السياسية وارتكانهم إلى ما تجود به عليهم قرائح الحلفاء أو امتنان الأعداء لهو أكبر هدر لدماء الشهداء وبطولات الثوار.

من ناحية أخرى، فإنه من مصلحة أصدقاء الثورة السورية إتاحة الفرصة للكيانات السورية السياسية والعسكرية لقيادة التفاوض مباشرة مع النظام وحلفائه، واكتفائهم هم بدورالوسيط؛ وذلك لتجنب أمرين وتحقيق أمرين. أما الأمر الأول الذي سيتم تجنبه، فهو تقديم تنازلات غير مبررة للاعبين الإقليميين والدوليين من دون مقابل مضمون، والأمر الثاني هو صعوبة إرضاء السوريين في النهاية عن أي صيغ يُتَعَهدُ بها بعيدًا عنهم ومن ثم فقدان تقديرهم لأي تضحيات يبذلها أصدقاؤهم ستكون بدعوى الدفاع عن مصالحهم. أما عن الأمرين المتحققين من اكتفاء أصدقاء الثورة بدور الوسيط والداعم وترك دور المفاوض للسوريين، فسيكونا بشرعنة الاتفاقات كونها صدرت عن سوريين وكذلك المساهمة في خلق قيادة حقيقية للثورة يمكنها من تنفيذ الاتفاق لاحقًا. بكلمات أخرى، يجب أن يدرك السوريون بأنهم أفضل من يَحُكّونَ جلودَهم، ويدرك أصدقاؤهم حتمية توليهم جميع شؤونهم.

المصدر : التقرير 

زر الذهاب إلى الأعلى