يشتمك، ويوجه إليك اتهامات تصل، أحياناً، حد التكفير، فإن أنت حذرته مما يقول، ودعوته إلى تهذيب لغته، على الأقل، من مفردات الإساءة الشخصية، تحت طائلة حظر مشاركاته على صفحتك، تجده يقفز، بكل خفة، إلى اتهامات أخرى، مفادها بأنك تدّعي، كذباً، اقتناعك بالتنوع والتعددية والاختلاف، بينما تضيق بالرأي الآخر.
التكفير ليس رأياً آخر، بل أسلوب اغتيال، تقول له، موضحاً، فيتشاطر، محاولاً الانتقال بالنقاش نحو كل ما قد يخطر على باله، إذ ذاك، من شؤون السياسة والدين والأخلاق، وحينها لا تجد خياراً أقل سوءاً من تركه يعمهُ في غيّه، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لا أتحدث هنا عن شخص محدد، بقدر ما أشير إلى نمط من القراء على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) ينتظرون من الكاتب السياسي أن يكتب آراءهم، لا باعتبارها مجرد آراء تحتمل الصواب والخطأ، أو حتى النقاش، بل بوصفها مفاهيم ربانية، لا يأتيها الباطل، وإلا فليس أسهل عليهم من أن يتهموك بالتنكر للعقيدة، والإساءة لشرع الله.
كتبت، الأسبوع الماضي، في هذه الزاوية، مقالة تحت عنوان “مشاهد عُري في إسطنبول”، ملخصها أن الدولة التركية، في زمن حزب العدالة والتنمية الموصوف بالإسلامي، لم تحاول تغيير نمط حياة الناس، عبر تقييد حرياتهم الشخصية الموروثة من عهود العلمانية الأتاتوركية، ولم تنشغل بما يجب أن ترتدي النساء ولا يرتدين، قدر انشغالها بتنمية مكانة بلادها السياسية والاقتصادية، فنجحت نجاحاً باهراً، وحازت ثقة مواطنيها، بينما تشهد هذه الفترة نفسها من التاريخ نشوء قوى إسلامية متطرفة في العراق وسورية، تذيق أبناء البلدين صنوف موت، وتنكيل، ومصادرة حقوق، وسلب حريات، أسوأ مما عرفوا في عهد الدولة العلمانية العربية، بمثالها الأشنع، نظام حكم آل الأسد الذي شرد ملايين السوريين وتركهم عراة من أرواحهم، لا من ملابسهم فحسب، على تخوم بلدان الجوار.
كتبت، الأسبوع الماضي، في هذه الزاوية، مقالة تحت عنوان “مشاهد عُري في إسطنبول”، ملخصها أن الدولة التركية، في زمن حزب العدالة والتنمية الموصوف بالإسلامي، لم تحاول تغيير نمط حياة الناس، عبر تقييد حرياتهم الشخصية الموروثة من عهود العلمانية الأتاتوركية، ولم تنشغل بما يجب أن ترتدي النساء ولا يرتدين، قدر انشغالها بتنمية مكانة بلادها السياسية والاقتصادية، فنجحت نجاحاً باهراً، وحازت ثقة مواطنيها، بينما تشهد هذه الفترة نفسها من التاريخ نشوء قوى إسلامية متطرفة في العراق وسورية، تذيق أبناء البلدين صنوف موت، وتنكيل، ومصادرة حقوق، وسلب حريات، أسوأ مما عرفوا في عهد الدولة العلمانية العربية، بمثالها الأشنع، نظام حكم آل الأسد الذي شرد ملايين السوريين وتركهم عراة من أرواحهم، لا من ملابسهم فحسب، على تخوم بلدان الجوار.
لم أقل في تلك المقالة إن كنت أؤيد السفور أو النقاب، سروال “الشورت” أو الجلباب، ولم يكن ذلك ما أردت طرحه، وإنما ضرورة الاستفادة من تجربة جيراننا الأتراك، علمانيين وإسلاميين معتدلين، في بناء دولة القانون والمؤسسات القادرة على أن تنهض بالبلاد، وأن تمنح الناس حقوقهم وحرياتهم، على قدم المساواة، وأن تمنع الزعماء من التحول إلى أنصاف آلهة. لكن ذلك لم يمنع عني تهمة الإساءة لدين الله، ممن يظنون أنفسهم مخوّلين بإصدار ما يقولون إنها أحكام شرعية، في حين ذهب آخرون إلى فهم نقيض، وتغلب عليه السذاجة المثيرة للضحك، إذ قال بعضهم؛ “يا أخي إذا مش عاجبك العُري، فلا تروح على إسطنبول.. ما حدا قاطع راسك. هم أحرار ببلدهم”.
وبين أولئك وهؤلاء، كان هناك كثيرون، طبعاً، ممن فهموا ما أردت الذهاب إليه، وأيّدوه، أو ناقشوه، بطريقة محترمة، كما كان هناك كثيرون، ممن استغرقوا في جدل العري والحجاب، حتى ظننت أنهم لم يقرأوا من المقالة غير عنوانها، أو سطورها الأولى.
وبين أولئك وهؤلاء، كان هناك كثيرون، طبعاً، ممن فهموا ما أردت الذهاب إليه، وأيّدوه، أو ناقشوه، بطريقة محترمة، كما كان هناك كثيرون، ممن استغرقوا في جدل العري والحجاب، حتى ظننت أنهم لم يقرأوا من المقالة غير عنوانها، أو سطورها الأولى.
ولئن كان ممكناً الخروج باستنتاجات شخصية سريعة من الجدل الذي أثارته المقالة على صفحات التواصل الاجتماعي، فإن أولها ميزة حصول الكاتب، في زمن الإنترنت، على مؤشرات واقعية وفورية عن فاعلية ما يكتب، وثانيها استمرار انشداد غالبية الناس إلى شؤون الدين والجنس والجريمة، أكثر من أي شأن آخر، أما ثالثها، فهو، للأسف، وجود تربة خصبة، لمنهج التكفير والاغتيال المعنوي والجسدي، في بلدان عربية، لم يصل إليها تنظيم القاعدة، ولا تنظيم الدولة المعروف باسم “داعش”، ولا حتى جبهة النصرة، كفلسطين مثلاً، وهي التي من المفترض أن أولوية أهلها تتمثل في الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، لا في ما يجب أن ترتدي نساؤها، ولا يرتدين، وما إلى ذلك من شؤونٍ، تقع تحت عنوان الحريات الشخصية.
المصدر : العربي الجديد