مقالات

ميشيل كيلو – سورية والشرط الليبي

ليقل من يريد ما يشاء، ولتعلن أميركا أنها لا تفكر إطلاقاً بالتورط في الوحل السوري. الحقيقة أنها قامت بخطوة نحو “انخراط أكثر مباشرة” فيه، وأنها فعلت ذلك بعد أيام من الاتفاق النووي مع طهران الذي أوحى أنها تخلت عن المنطقة لها، فإذا باتفاقها مع أنقرة على انخراط عسكري تركي مباشر في شمال سورية، يتضمن ما رفضه الرئيس، باراك أوباما دوماً: إقامة منطقة آمنة بعمق خمسين كيلومتراً داخل الأراضي السورية، تخلو من تنظيمات الكرد المسلحة وتنظيمي داعش والنصرة. يعني ما سينجم عنها من تبدل في علاقات القوى الميدانية، ومن تحد لدور إيران وروسيا الداعم للنظام، وتأسيس منطقة تخضع لسلطة المعارضة وحدها، أن العامل الخارجي قد يحسم الصراع، ويحقق هنا، أيضاً، ما كان قد حققه في الصراع بين معمر القذافي والثورة في ليبيا. 

 
هذا التطور الذي يجعل انتصار النظام واستعادة الوضع السابق للثورة ضرباً من الاستحالة، لن ينجح في تحقيق أهدافه ووعوده، إذا لم يقيد أيدي طهران وموسكو في سورية، ويحدث تبدلاً في علاقات القوى لغير صالحهما، يشبه ما أحدثه التحالف العربي/ الإسلامي في اليمن، حيث تقف إيران متفرجة على هزائم أتباعها، وعاجزة عن مساعدتهم، وتسعى روسيا إلى التأقلم مع واقع لا يعجبها، لكنها لا تستطيع مواجهته، بينما تنخرط أميركا في مرحلة جديدة من تصفية حساباتها مع طهران، ستفيد خلالها من دور تركيا والسعودية العسكري، ومن إضعاف النظام والإرهاب في الساحة السورية، لإلغاء برنامج طهران الصاروخي، وإجبارها على الانكفاء عن المنطقة، وتقليص دورها فيها، بعد انتهاء المرحلة السابقة من تصفية حسابات واشنطن معها بواسطة السوريين التي أرغمتها على وقف برنامجها النووي.
 
لم يتوقف الصراع مع طهران، بل هو يتوسع تحت أنظارنا: بدخول تركي مباشر ومعلن إليه، وانخراط أطلسي فيه، سيبقى محدوداً وغير مباشر، إن كانت قوة التدخل التركي/ الأميركي كافية لتحقيق أهدافه، ولم تواجه قدرتها على التصعيد بتصعيد إيراني مقابل، على غرار ما نراه اليوم في اليمن، حيث ينهار الجيش الحوثي/ الصالحي تحت ضربات منسقة، تستخدم فيها قوة عربية/ إسلامية وسعودية ساحقة، يدعمها تحالف يضم مصر وتركيا والمملكة، يجعل من أي تدخل إيراني مقابل خسارة صافية لملالي طهران.
ستقوم المنطقة الآمنة، وسيخرج المسلحون الكرد ومقاتلو “النصرة” منها، وسيدحر “داعش” من دون أن تحل قوات الأسد محلها في منطقة سيطرتها الشاسعة التي تعادل نصف مساحة سورية، ويرجح أن تخضع لإدارة المعارضة التي سيشجع نجاحها داعميها على الاعتراف بها بديلاً قانونياً، وبالتالي شرعياً، لنظام الأسد.
 
تشهد هذه الأيام تبدلاً مهماً في الصراع السوري واحتمالاته، ربما كان هو الذي يفسر “لهفة” روسيا وإيران على السلام والحل السياسي، ومسارعتهما إلى تقديم “مشاريع” معدلة عن مواقفهما السابقة منه. كان باستطاعتهما إبقاء الأسد عائماً في بحر موازين القوى المحلية، في ظل تفاوت الدعم الذي تلقاه الجيش الحر وجيشه. أما من الآن فصاعداً، فسيكون تعويم الأسدية مستحيلاً في ظل علاقات القوى الجديدة، الإقليمية والدولية، وفي معركة الزبداني وغيرها من معارك أيامنا الراهنة ما يؤكد ذلك.
 
بدخول العامل الخارجي على خط الصراع، وبالتحولات الحاسمة التي ستترتب عليه بالنسبة لعلاقات القوى، سيتوطد موقع المعارضة الديمقراطية حيال الإرهاب والنظام، وسيصير الحل السياسي ممكناً، بشروط ملائمة مغايرة للشروط السابقة التي أملتها علاقات القوى الخارجية والمحلية، وسيتفوق الدعم الذي تناله الثورة بوجود المنطقة الآمنة، ومن خلالها، وعبر إضعاف بديلها المذهبي والإرهابي والتقسيمي، على الدعم الروسي/ الإيراني المؤيد للأسد، وستمكن هذه المستجدات السوريين من رفع سقف الحل السياسي إلى المستوى الذي أقره جنيف واحد، وجوهره رحيل الأسد وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، تشرف على تصفية نظامه، ورفض ما هو معروض حول بقائه في السلطة، خلال المرحلة الانتقالية، وتشكيله حكومة وحدة وطنية. في المقابل، لا بد من تواصل جدي مع إيران وروسيا، للاتفاق معهما على نمط العلاقات الذي سيقوم بين سورية الجديدة وبينهما، ولإقناعهما بالتخلي عن الأسد ونظامه، لأن بقاءه في الظرف الجديد صار مستحيلاً، ومثله أي حل وسط معهما.
 
يعني التنازل عما أعطانا إياه جنيف التخلي عن تحقيق معظم أهداف شعبنا الذي تجعله التطورات الجديدة ممكناً، وفي متناول أيدينا، في حال أحسنا، أخيراً ولمرة واحدة، إدارة صراعنا، وعرفنا كيف نفيد من مستجدات في صالحنا، تتخلق تحت أعيننا. 
 
المصدر : العربي الجديد 
زر الذهاب إلى الأعلى