مقالات

إبراهيم حاج عبدي – «جيزيل وريبال»!

لو لم تكن المحطة هي «بي بي سي»، لوجدنا، بل لاختلقنا عشرات من الذرائع والمبررات التي قد تدفع فضائية ما نحو إجراء حوار مع ريبال رفعت الأسد، ابن عم الرئيس السوري. ولكن أن تكون المحطة البريطانية العريقة هي من اقترفت هذا «الخطأ الإعلامي»، واستضافت ريبال الأسد في برنامج «المشهد» الذي تقدمه جيزيل خوري، فذلك يطرح علامات استفهام لها علاقة بالمهنية تحديداً، قبل أي شيء آخر.

الخطأ المهني الأول هو أنّ الحوار جاء من دون أي مناسبة، وإذا افترضنا أن المشهد السوري الساخن هو الذي حتّم مثل هذا الحوار، فإن هذه الفرضية سرعان ما تتبدد حين ينتهي الحوار الذي دام نحو نصف ساعة من دون أي كلمة عما يجري حالياً في سورية من قصف ونزوح ومعارك متأججة وحراك ديبلوماسي نشط.

الخطأ المهني الثاني هو أن الضيف لا مكانة له سوى أنه ابن عم الرئيس السوري، وفق ما كتب على الشاشة في التعريف به، ولا نعتقد أن مثل هذه القرابة يبرر حواراً مع شخص راح يغرق في تاريخ مبهم لا يعرف منه شيئاً سوى بعض الأقاويل والقصص التي سمعها من والده، شقيق حافظ الأسد، فكانت النتيجة أنّ رفعت الشقيق كان «حملاً وديعاً»، لم يسع سوى إلى تحويل سورية إلى «مدينة فاضلة» غير أن المسؤولين حول حافظ الأسد، وليس هذا الأخير، هم من أحبطوا مشروعه.

على هذا النحو دافع الضيف عن والده، ونفى عنه التهم التي تحمله مسؤولية مجازر حماة وفظائع سجن تدمر، إبان سحق الجيش السوري «الإخوان المسلمين» في مطلع ثمانينات القرن العشرين، وكان دفاعه، والحق يُقال، مقنعاً، إذ تساءل، لماذا يضطر والده للقتل طالما أن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس كان يوقع، وفق اعترافاته، على قرار إعدام حوالى 150 شخصاً، أسبوعياً.

الخطأ المهني الثالث هو أن مقدمة البرنامج بدت جاهلة بخبايا الملف السوري وتاريخه القريب، وبعائلة الأسد وتكالبها على السلطة، فتركت ضيفها يُلمّع صورة العائلة من دون أي مداخلة أو مقاطعة أو سؤال محرج، فاسترسل الضيف في نقل صورة هي أبعد ما تكون عن حقيقة النظام في سورية، والتي لا تحتاج إلى كثير عناء لإدراكها حيث براميل الموت والمجازر والمعتقلات، ويبقى أن نسجّل لخوري سؤالاً جريئاً واحداً طرحته حول رواية «القوقعة» لمصطفى خليفة، والتي تتحدث عن أهوال سجن تدمر، وهل قرأها ضيفها الذي ردّ بالنفي، فنصحته المذيعة بأن يفعل.

لا شك في أن كثيرين من أبناء وأحفاد من قضوا في سنوات الثمانينات الرهيبة، وكذلك أقارب من قضوا في الثورة الأخيرة، تابعوا الحلقة، وتساءلوا بمرارة وألم: هل هكذا يكافأ الطغاة؟ أليست حوارات كهذه هي التي تشجع القتلة على الإيغال في الدم، وإذا كانت العدالة مفقودة في سورية، أليس من حق الضحية أن تجدها، على الأقل، مجسدة، ولو بصورة رمزية، على الشاشات؟!

المصدر : الحياة 

زر الذهاب إلى الأعلى